وما انقضت فترة وجيزة حتى أصبح (بيجو) شخصية من شخصيات البيت المعدودة، وحتى فرض على نفسه واجبات وأعمالاً لم يفرضها أحد عليه، ولكنه يغضب ويتذمر إذ أنت قاطعته فيها أو عوقته عنها، كأنك تحسبه مخلوقاً عاطلاً لا يصلح لعمل ولا يؤتمن على واجب. . .
عرف الفرق بين جرس التليفون وجرس الباب، فلا يدق هذا أو ذاك إلا أسرع إلى الإجابة، وغضب من الخادم كلما سبقه إلى غرضه فتظاهر بعضه والوثوب عليه. ومن عجائب ذكائه أنه إذا سمع جرس الباب أسرع إلى الباب ولم يفعل كما تعود أن يفعل حين يسمع جرس التلفون. ومع أن جرس الباب يدق في المطبخ حيث يكون الخادم ولا يدق في المكان الذي يجري إليه. ولعله عرف أن فتح الباب هو المقصود بدق الجرس في المطبخ كلما جرى الخادم لفتحه على أثر سماع دقاته، ولكن تفريقه بين الجرسين براعة تشهد له بالقدرة على مزاولة الأعمال والواجبات ومن الأعمال والواجبات التي فرضها على نفسه ولم يفرضها عليه أحد أنه لا يدع إنساناً ولا حيواناً يصعد السلم إلا أدركه بنباح الاحتجاج من وراء الباب فيعدو أمامي ويعود إلي ولا يزال يرقص ويتوثب حتى أجزيه على استقباله بالتحية الواجبة والتربيت المحبب إليه.
ألأجل الطعام يهش لي (بيجو) هذه الهشاشة ويرعاني هذه الرعاية؟ أنا أود من الباحثين في طبائع الحيوان أن يراجعوا ملاحظاتهم وأحكامهم في أسباب التآلف والمودة بين الحيوان والإنسان، فإن إطعام الكلب ولا شك سبب من أسباب وفائه وتعلقه بأصحابه، ولكن لا شك أيضاً في أن الكلاب تفهم للمودة أسباباً غير الإطعام وتدرك معنى من معاني الصلة النفسية ليس مما يرتبط بالمنافع؛ وأوضح دليل على ذلك أن (بيجو) يعتبر نفسه تابعاً لمولاه (فيفي) ولا يعتبر نفسه تابعاً لأبيه أو خادم أبيه، وكلاهما يطعمه ويلاطفه ويسقيه. أما (فيفي) فهو لا يطعمه ولا يسقيه ولا يتورع عن خطف طعامه إذا ساغ في مذاقه، وقد يتبرم به فيضربه أو يقبض على لسانه أو يضع إصبعه في عينه، وبيجو في كل ذلك لا يقابل الأذى بمثله ولا يفتأ متعلقاً بالطفل أشد من تعلقه بآله وذويه.
فلما زارني (فيفي) مع أبيه بعد شفائه ونجاته من خطره كان المعقول المنظور أن يخفف (بيجو) إلى الأب الكبير الذي يعني بإطعامه وإيوائه، ويشمله بمودته وحبائه، ولكنه ألتفت