للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أين الكلتور؟]

للأستاذ عباس محمود العقاد

دخل الألمان الحرب الماضية وهم يحملون أمامهم كلمة (الكلتور) التي شاعت على ألسنة الناس من ذلك الحين كما شاعت ترجماتها في اللغات الأخرى، ومنها كلمة الثقافة في اللغة العربية.

وكانت دعواهم أنهم يحاربون بالكلتور الجرماني أو الثقافة الجرمانية كما يحاربون بقوة السلاح وقوة السياسة، لأنهم اعتقدوا أنهم أصحاب أشرف الثقافات وأحقها بالنصر والغلبة على عقول الأمم وأذواقها.

فأين (الكلتور) في الحرب الحاضرة؟

إن النازيين لا يذكرونه على ألسنتهم ولو على سبيل الإدعاء الذي يعوزه البرهان، لأنهم بعيدون عنه وهو بعيد عنهم. فليس في حركتهم ثقافة، وليس لها فن ولا ثمرات فنية؛ وكل ما عليها صبغة حرب كالطلاء الأحمر على الوجه الشاحب الهزيل، لا هو من الصحة ولا من الجمال.

وتعترف الصحف النازية - كما جاء في صحيفة أوربا الحديثة الفرنسية - بأن الروايات التي يؤلفها الكتاب النازيون لا تترجم إلى لغة من اللغات الأجنبية، وأن الأدب الألماني يمثله اليوم في العالم جماعة من الكتاب المهاجرين المطرودين من حظيرة هتلر؛ فكل ما يعرفه العالم من الأدب الألماني الحديث هو من ثمرات فراغ هؤلاء الكتاب المطرودين!

ورأيُ الإيطاليين - وهم أخوان المحور - لا يختلف عن رأي الأمم الأخرى في الأدب الشائع بين النازيين، فقد ترجم إلى اللغة الإيطالية في سنة ١٩٣٧ خمسة وسبعون كتاباً معظمها من تأليف كتاب المنفى، ولم تبرز قط رواية نازية على مسارح العالم بعد سنة ١٩٣٣ وهي السنة التي قبض فيها هتلر على زمام السلطان؛ وهي خسارة مالية فوق الخسارة الأدبية يقدرون ما ضاع من جرائها على خزانة الريخ بخمسة ملايين من الماركات.

وقد بلغت ثروة الصور المتحركة النازية خلال السنة الماضية خمسة ملايين مارك هبطت إلى ثلاثة ملايين في السنة الحاضرة، وبلغت الشُّرُط الكبرى في سنة ١٩٣٢ وهي من

<<  <  ج:
ص:  >  >>