سنوات الأزمة والكساد مائة وأثنين وأربعين أخرجت كلها في العواصم الألمانية، فما زالت تهبط حتى انحدرت إلى ثمانية وتسعين في سنة ١٩٣٨ على الرغم من ضم النمسا وبلاد السوديت.
أما ما باعته ألمانيا النازية من الشرط في الخارج فقد كان تسعة وسبعين في سنة ١٩٣٧ فهبط في السنة التالية إلى أربعة وعشرين!
هذا كساد في الملكات والقرائح شعر به هتلر ونبه إليه في المؤتمر الأكبر فقال إن الحركة النازية لا تزال في انتظار العبقريات التي تتغنى لها بمعانيها وأناشيدها.
وشعر به القائمون على التربية الوطنية فعالجوه على دأبهم المشهور بالعلاجات العسكرية والأساليب البتراء فما ازدادوا في كساد ملكاتهم وقرائحهم إلا خموداً على خمود.
قال أستاذ رياضيات لزميل أمريكي: ما الحيلة في هذا الجيل العقيم الذي لا يحسن غير السير في المواكب وشق الحناجر بالهتاف والتفاخر بالبنود والشارات؟ لقد زيفوا لهم التاريخ فقبلوا وقائعه ومسخوا تفسيراته وجعلوه قصيدة من قصائد الإطراء للنازيين وأشباه النازيين، وقد علموهم الجغرافيا على النحو الذي طاب لهم ووافق دعواهم وأملى لهم في سياستهم، وقد جعلوا أبطال الدنيا بأسرها من سلالة شمالية أو آرية كما يقولون. فأما الرياضيات فمن لنا بتزييفها على هذا النمط المنكوس؟ ومن لنا بتعليم الشبان الجبر والفلك والرياضيات العليا والدقائق الفنية، وهم بين موكب يصخبون فيه أو نشيد أو مناورة في عرض الطريق؟ كل درس يحتمل التزييف والاصطباغ بالصبغة السياسية إلا العلوم والرياضيات!. . . فلم يبق أمامنا إلا إسقاط الدرجات كرة بعد كرة حتى هبط مقياس النجاح إلى ما دون مقياس الرسوب، ولولا هذا لاتهمنا الرؤساء بالتقصير وقالوا: إن الآفة من عجزنا عن التعليم لا من عجز هؤلاء الأولاد الفاشلين عن الإصغاء وإنعام النظر في دقائق العلوم.
وقد يستخف النازيون بهذه العاقبة الوخيمة لو كان خطبها كله مقصوراً على ندرة التأليف وقلة النبوغ في الأدب والفن وما إليهما من مجالي العبقرية ومعارض التعبير.
لكن المصيبة التي لا يستطيع النازيون تجاهلاً لها ولا استخفافاً بعقباها أن كساد العقول يتغلب عليهم في مجال (العسكريات) أو مجال التدريب للقتال، وهم لاشيء في سياسة الأمة