ولا في سياسة العالم إن لم يفلحوا في تدريب الجنود وتحضير السلاح.
فلا غنى للدراسة العسكرية العصرية عن الفنون وعن الرياضيات وعن البراعة في تركيب الآلات وتسيير المحركات. وقد أشار إلى هذا النقص في الجيل النازي الأخير كاتب مجري من أصحاب المراجع الموثوق بها في مسائل الحرب الماضية والعدد الضرورية لكل حرب حديثة، نعني به الدكتور إيفان لاجوس مؤلف كتاب (فرص ألمانيا في الحرب) ومسجل الآراء التي أفضى بها رجال ألمانيا المسؤولون في هذه الأمور، فإذا بهم يجمعون على الشكوى من تقهقر التعليم واستحالة الاعتماد على من يتدربون بالأساليب النازية المستعجلة، ويؤتمنون بعد ذلك على الطيارات والدبابات وتنفيذ الخطط ومراس المختلف من دقائق الأدوات.
فالثقافة المزيفة بلاء لا تنحصر أضراره في الأدب والفن والتأليف، ولا يزال يسري في كل شعبة من شعب الحياة حتى يعطل القوة العسكرية والقوة البدنية والقوة الحيوانية في النهاية، وهي القوى التي يُظّن أنها أغنى ما تكون عن الثقافة والمثقفين.
وإذا كان في الحرب ما يحمد الله عليه فلنحمد الله نحن المصريين بل نحن الشرقيين أجمعين أن كشف ستر النازية قبل أن تخدع الأسماع والأبصار بظاهر ما لها من الضجة والبريق والطلاء، فقد بلغ من خداعها أن سمعنا أناساً من ساستنا يدعوننا إلى اقتباسها والأخذ عنها ولو في تقييد الحرية الفردية وتغليب (النظام العسكري) عليها، فأشرنا يومئذ في مجلس النواب إلى وخامة التربية النازية وجنايتها على العقول وإفسادها لينابيع التفكير والتثقيف، وقلنا إنها جنت على ألمانيا وهي سابقة لنا في ميادين العلم والفن والتربية فماذا تصنع بنا نحن وإننا لدارجين حتى الساعة في بداية الطريق؟!
وسنحمد الله حمداً مضاعفاً متى تكشفت الحقائق كلها عن فضائل الحرية ورجحانها في جميع الموازين على أساليب الطغيان و (النظام) المزعوم، ولا يخامرنا الشك في مصير أناس يعارضون مجرى الحياة الإنسانية ويمسخون ما ازدانت به من شرف وجمال. فسيفشلون لا محالة كما فشل أسلاف لهم حملوا على الدنيا بسلاح الحديد وسلاح الكلتور، وإن هؤلاء اللاحقين لأضعف من سابقيهم في السلاحين!