إن آداب كل أمة توضح بجلاء رغبة الرجل الملحَّة، المستديمة، في تعليق بعض الأهمية على أحلامه وإلباسها بعض المعاني. فمن فجز التاريخ إلى بداية هذا القرن كانت الأحلام تعتبر في بعض الأحيان كأصوات للالهية الباطنية، وجولات للذات النجومية، وزيارات للروح، وتنبؤات بالمستقبل، أو نتيجة اضطرابات جسمية باطنية.
وفي عام ١٩٠٠ حوّل الأستاذ سيجموند فرويد ما اعتبروه خرافات وأوهاماً خاطئة في تعليل الأحلام إلى (دراسة علمية). فلقد وجد، ككل العلماء، أن الالتجاء إلى الحدس والتخمين عمل محفوف بالمكارة.
وإن رجالاً من أمثال جوليان هكسلي، وهـ. ج. ويلز، وهافلوك أليس، ليدفعون إتاوة لفرويد. كما أن العالم أجمع يقدره حق قدره ويعده من أنبغ النابغين في جيله.
للأحلام وجهان:
لا يخفى أن لكل قطعة من العملة وجهين، لا نرى منهما إذا وضعت القطعة على نضد إلا الجانب الفوقي. كذلك لكل حلم وجهان؛ فالحلم الذي نعيه عند الاستيقاظ هو الرأس أو الوجه، ويعرف في الاصطلاح الفني بالمحتوى الظاهر؛ أما الحلم الحقيقي، الذي لا يفسره التحليل أو يوضحه فهو (الخلفي) أو المحتوى الباطن. ومشكلة تحليل الحلم هي أن نرجع إلى الحلم الحقيقي، وأي المادة المستترة.
ولكن لم هذه الضرورة لحلم حقيقي وحلم غير حقيقي؟
إن حلماً كهذا الذي تذكره عند استيقاظك من النوم إن هو إلا شيء باطل ملفق، وتمويه مطبق. وإنه لوسيلة لإخفاء القصة الحقيقية. قد تسأل:(لم هذا الإخفاء؛) ونحن لا يسعنا إلا أن ندلي برأينا كاشفين عن السر القناع.
إن للعقل (جزئين) كما هو معروف؛ الواعي والباطن. الأول كتاب قانون للجماعة، وهكذا نسميه، لأنه يحوي جميع النواهي وكل الأوامر، كما يحوي على قواعد حسن السير والسلوك. وإنه بمثابة مجموع أو حاصل لمبلغ تربيتنا وتهذيبنا من عهد الطفولة وما بعدها.
أما العقل الباطن فإنه يحتوي على نواة الرغبة. ويتبع نظام حفظ الأوراق بالترتيب مع