ربما يظن أن تقدم الهند في صناعة الأدب العربي والشعر ليس كتقدمهم في علوم الحديث والفلسفة، والمنطق، والرياضة، والطب، وما إلى ذلك من الفنون العقلية
حقيقة أن تقدمهم في كثير من العلوم العقلية القديمة قد أصبح منذ عهد قديم، بحيث لا يبارى ولا يجارى، وأضحت عبقريتهم في علوم الحديث مثلا في العهد الحديث منذ أوائل القرن العاشر للهجرة حين سرى الوهن في المجتمعات العلمية الدينية في البلاد العربية، غير أن ميزتهم الأدبية وبراعتهم في الشعر العربي على رغم أن البلاد أعجمية قد خفيت على كثير من رجال الأدب في البلاد العربية، ومع أن مآثر نهضتهم الراقية المزدهرة في خدمة اللغة العربية وتاريخ اللغة العربية، والأدب العربي لا تنكر ومقامهم فيها مشهود.
ومن العجيب أننا مهما حدثنا أحداً منهم بشيء عن رقيهم الحاضر في اللغة العربية والأدب العربي، سمع ذلك وهو في حيرة مطبقة يكاد يسرع إلى الرد بالنفي لو لم تحل دونه رزانة العقل
وما من شك في أن العصبية القومية إذا حلت مكاناً رحلت عنه فكرة الوحدة الإسلامية، فإذا باتت آراء قوم مقصورة على مفاخر قومهم ولم تعد مطالعة مزاياهم الخاصة؛ وعرتهم غفلة أو غفوة من أن يقفوا على مزايا إخوانهم في البلاد، انقطعت صلة الأخوة العالمية، ورابطة الوحدة، وتفككت عرى المواساة.
ففكرة العروبة التي نشأت حديثاً في الأفكار، وتتجلى بين حين وآخر على صفحات المجلات، كما أنها تنتج فوائد خاصة، تمنع كذلك من ناحية أخرى فوائد هامة بلاد العروبة أحوج إليها منها إلى تلك الفوائد الضئيلة أمامها؛ فلا يستتب نظام عام بين الأمم الإسلامية المبثوثة في أنحاء البسيطة الذي جاء به سيدنا المرسل إلى كافة الناس عجمهم وعربهم صفرهم وبيضهم عليه أزكى صلوات وتحيات مباركة. فمن الحتم اللازم أن يكون هناك نظام آخر يلوذ إلى كنفه وأحضانه سائر أقوام الأمة الإسلامية على حد سواء، حتى تمنح بلاد العروبة فوائد عظيمة وتنتظم قوى الأمة في الأنحاء قاطبة، فتصبح الأمم كأمة واحدة، وتدعم أركانها بدعائم الأخوة الموطدة كبنيان مرصوص لا يتزعزع بالقواصف الهوجاء