للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الألغاز في الأدب العربي]

للأستاذ محمود عزت عرفة

(تتمة)

ألغاز منثورة

لم تسلك الألغاز سبيلها إلى النثر الفني كغرض من أغراضه إلا في عصور الأدب المتأخرة عندما انحط الشعر والنثر جميعاً. فخاض الأول مجارى ضحلة من الأفكار والأخيلة والأساليب، وتهافت إلى معان ضئيلة ليس أدل على مبلغ ضؤولتها من أنهم لم يكونوا يصوغونها في أكثر من أبيات لا تتجاوز في تحديدها (البضع)؛ يضمنونها من متكلف التورية ومستكره الطباق والتجنيس ما قد يكون توفر لديهم في لحظات تفكيرهم الآلي، واعتكافهم الطويل على تصيد الألفاظ من معجماتها. فاقتحم النثر على الشعر حرمه وقد زايلته قداسته، وشاركه سائر فنونه وأغراضه. ولم يبق إلا أن يجوس معه خلال مجاهل الألغاز التي حلا لأكثر الشعراء المتأخرين أن يلتاثوا فيها. . . وهكذا نجد الألغاز المنثورة منحصرة في هذا النوع المريض الدنف. . . المتحامل على سندٍ واه من أغراب لفظ، أو لي تركيب، أو تعمية إعراب، أو تصحيف أو تحريف أو عكس أو قلب أو غير ذلك

ومن أمثلته قول الصاحب بن عباد لأبي العباس الحارث في يوم قيظ: ما يقول الشيخ في قلبه؟ أراد قلب (الشيخ) وهو (خيش)

ومن طريف الألغاز المنثورة قول العماد الكاتب للقاضي الفاضل: (سر فلا كبا بك الفرس) فهذا الكلام إذا قوى معكوساً - بالابتداء من آخر أحرف الفرس - حصلنا منه على العبارة بنصها! ويناظره جواب القاضي الفاضل على دعاء العماد بقوله: (دام علا العماد)

ومن رسالة لفضل الله بن عبد الرحمن بن مكانس ملغزاً في الورد: ما عاطل تتحلى به المجالس، ويتفكه به المجالس، تحمر وجناته من الشرب، وتحمد آثاره في البعد والقرب. . . إن حذفت أوله وحرفت باقيه وجدته أمراً بالشراب، وإن فعلت كذلك في ثانيه رأيت ما بقى يؤكد المحبة بين الأصحاب. و (وَرّ) إن حذفت آخره كمن ورَّى، وغص في بحر الفكر على عكس ثلثيه لتستخرج (درا). . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>