وكتب بدر الدين بن الدماميني من لغز في (روضة): ما قول مولانا أبقاه الله تعالى. . . في دار ينعم بها الجاني، وتطرب في مرابعها الألحان المغنية عن المثالث والمثاني. . . طالما تحركت بها السواكن وهاجت البلابل، ونهر من سأل عنها فاستعذب نهرها السائل. . . إن عرف لفظها كان علماً لمحل لا يطرقه محل، ولا ينكر تأنيثه فحل. يحدث المصري بحلاوته، ويخبر عن لطفه وطلاوته. وإلا فعلم على جملة يعرفها الطالب ويستحسن ارتكاب المهالك لينال ما فيها من المطالب. قد فتحت لأرباب المقاصد أبوابها، ومنحت الأفهام الضالة هديها وصوابها. . . الخ
ونحن لا نطيل بإيراد الأمثلة من هذا الباب وإنما نترك للقارئ أن يطلب المزيد منها - إن شاء الله - في مظانها ومواطن طلبها من مجاميع الأدب المتأخرة. . .
تتمة في الملغزين وبعض تصانيفهم
نختم هذا البحث بذكر بعض من كانت لهم شهرة الاختصاص بالألغاز وسمة البراعة والحذق فيها، دون من ألموا بها غير مكثرين، في أشعارهم أو تصانيفهم، كأكثر الذين أشرنا إليهم. فمن برزوا في هذا الفن: الحسين بن علي المعروف بالنديم قال ياقوت: (كان أديباً كاتباً شاعراً له اليد الطولى في حل الألغاز العويصة)، ومن طريف أمره أنهم وضعوا له أبياتاً على صورة الألغاز ولم يلغزوا فيها - يختبرون بذلك فطنته - فقالوا له:
وما شئ له في الرأس رجلٌ ... وموضع وجهه منه قفاه
إذا غمَّضت عينك أبصرته ... وإن فتحت عينك لا تراه
ونظموا له أيضاً:
وجارٍ وهو تيار ... ضعيف العقل خوار
بلا لحم ولا ريش ... وهو في الرمز طيار
بطبع بارد جداً ... ولكن كله نار
فقال عن الأول إنه طيف الخيال وعن الثاني إنه الزئبق؛ وعلل إجابته في ذلك بكلام مقنع!
وبرع في هذا الفن أيضاً محمد بن أحمد الهاشمي الملقب أبي العبر، له فيه طرائف أورد ياقوت كثيراً منها في معجمه وذكر أيضاً عن محمد بن سعيد الموصلي أنه كان (ذكياً فهماً إماماً في استخراج المعمي والعروض)، ووصف ابن عنين الدمشقي بقوله: (لغوي أديب. .