يوم أراد الله أن أفرغ من الدراسة الابتدائية، وقد أتممتها في كنف الجمعية الخيرية الإسلامية في معهدها ببني مزار، اتجهت أنظارنا إلى القاهرة عاصمة البلاد تطلعاً لإكمال الدرس في معاهدها الثانوية
لم يكن من ذلك بد، وقد قضت سياسة دنلوب، بتركيز الدراسة الثانوية بالعاصمة، وحرمان مديريات القطر من الخطوة الثانية للتعليم فضلاً عما أفسد من برامجه وشوه من خططه
كثر التردد على القاهرة، بين تقديم الطلب، والاستعداد للكشف الطبي، والحرص على الظفر بمكان، إذ كان نطاق المدارس ضيقاً ومحاطاً بكثير من القيود تمشياً مع تلك السياسة
كان ذلك في أواخر سنة ١٩١١ أي من نحو ربع قرن
فإذا كان يوم الجمعة، ذهبنا إلى ملعب الكرة بالحلمية الجديدة مررنا بشارع البرموني. هناك يستوقف النظر تجمع كثير من النسوة والصغار يختلفن إلى دار في مواجهة (زقاق) صغير ينتهي بها فتغيره وتحيله ميداناً فسيحاً للرحمة والإحسان. . . . .
كانت تلك الدار (مبرة محمد علي) تجد فيها فقيرات الأمهات وفقراء الأولاد رعاية عالية، وعطفاً كريماً: يلقين فيها يد الطب تأسو، ويد البر تواسي، تستنفذ اليدان بفضل الله أناسي من خلقه من براثن الأمراض وآلام الحياة
فإذا سألت لمن هذا الَعلم؟ ومن يقوم على هذا البر؟ ومن يغذى تلك الشجرة المباركة! أجابك المغاثون الداعون هي:(الوالدة) أطال الله بقاءها
(الوالدة)!! وأي اسم في الوجود أولى بهذه المعاني من هذا الاسم الكريم؟ وهل في الدنيا أكثر عطفاً من الوالدة!!
أليس بين الاسم والفعل خير تناسق وأوثق صلة؟
إنا نرى اليوم في مصر كثيراً من مظاهر البر، وأماكن للعلاج وافية الأعداد، ولكنا حين نذكر ما كان، وحين أكتب اليوم، إنما ننظر واكتب عما كان منذ ربع قرن. كانت (مبرة محمد علي) لا تقل في عين الفقير عما يرى اليوم في عجيبة (الراديو) والطيران