للسياسة الألمانية طرائق وأساليب قلَّ أن يعتريها التغيير وإن تغير
الجيل واختلفت العصور. وقد مر سبعون عاماً منذ اعتزم بسمارك
محاربة فرنسا، مدفوعاً بفكرة ضم الولايات الألمانية المتحالفة التي
حازتها ألمانيا، نتيجة لحروبها السابقة التي وضع خطتها بعناية
وإتقان. وكان بسمارك يطمع في تقوية مركز بروسيا للسيطرة على
هذه الولايات. فأشعل نيران الحرب في أوربا من أجل هذه الأسباب
التي تتعلق بسياسة ألمانيا الداخلية.
وقد كتب الكثيرون في موقفه هذا والطريق التي سلكها لتحقيق بغيته، ولكن تلك القصة العجيبة مازالت قابلة لأن تعاد. كانت أسبانيا تقطع مرحلة من مراحل السلام والهدوء فأظهرت حاجتها إلى حاكم عادل يسوس أمورها. فعرضت عرشها على أمير من أسرة (هوهنزلرن). ومن الجلي أن الفرنسيين لا يرحبون بفكرة مثل هذه الفكرة ولا يسمحون بتحقيقها، إذ أنها تبيح لأسرة واحدة أن تحكم على الرين والبرانس.
فلاقى بسمارك صعوبة في تحقيق مطلبه - لا من ناحية الفرنسيين الذين لم يكن يعبأ بهم - ولكن من ناحية (سيك) ملك بروسيا الذي يقول عنه في مذكراته: (لقد كان رجلاً في الثالثة والسبعين من عمره محباً للسلام، فلم يشأ أن يخاطر بأكاليل النصر التي نالها في حرب عام ١٨٦٦. ويشير بسمارك هنا إلى الفوز الذي أحرزته بروسيا على أوستريا عام ١٨٦٦ في حرب قصيرة المدى.
فلما رأى الملك المعمر أن حرباً أوربية توشك أن تقع من جراء قبول أحد أقربائه عرش أسبانيا، اعتزم أن يمنعه. فما كاد يصل احتجاج فرنسا إلى يده حتى استدعى (البرنس ليوبولد أوف هوهنزلرن) وما زال به حتى رفض ما عرض عليه. ورأى بسمارك أن