للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأمر قد انتهى عند هذا الحد، وأنه لا يجد أمامه ما يحارب من أجله فانتهز فرصة غياب الملك للاستشفاء بمياه أحد الأنهار وأخذ يدبر الحيل لإثارة الحرب. وبينما هو والكونت مولتكي وفون ردن القائدان الألمانيان يتناولان العشاء ويتباحثان في شؤون الحرب، إذ وردت برقية من سفير فرنسا يطلب على لسان حكومته بعض تأكيدات في موضوع عرش أسبانيا، فرأى بسمارك أن الفرصة سانحة للتدبير لبغيته، فأدخل بضع كلمات على برقية السفير الفرنسي، ثم التفت ذات اليمين وذات اليسار إلى القائدين الألمانيين متسائلاً عن مبلغ استعدادهما للحرب فأجاباه بما يؤيد رغبته. فلما أطلع المليك على الرسالة الفرنسية اعتبر ما فيها حاطاً للكرامة، ورفضها رفضاً باتاً. ثم أمر أن يمنع سفير فرنسا من المثول في حضرته. وقد كان بسمارك قد أعد اللازم لظهور هذه الرسالة في الصحف الألمانية في اليوم التالي، ومن ثم أعلنت الحرب بين فرنسا وبروسيا. إنها لصورة خبيثة بالغة حد البشاعة تلك الصورة التي ظهر بها هؤلاء الشيوخ الثلاثة وهم يتجرعون كئوس الخمر ويهنئ بعضهم بعضاً لنجاحهم في إشعال الحرب بين هاتين الأمتين العظيمتين.

ليس من الصعب علينا بعد هذا أن نتصور موقفاً مشابهاً لهذا الموقف فيما حدث في أوربا منذ أسابيع، إذ قامت تلك العصابة المتعطشة إلى سفك الدماء بوضع شروطها الستة عشر التي بنت عليها إنذارها النهائي لبولندا بحيث لم تطلع عليها بولندا نفسها أو الحلفاء إلا بعد فوات الوقت اللازم للرد عليها.

ففوجئ الناس بخبر الحرب ليلة ٣١ أغسطس عن طريق الإذاعة الألمانية دون مقدمات سابقة. ولكن الأمر تبين بجلاء في خطاب رئيس الوزارة الإنجليزية بعد ظهر اليوم التالي، فتحولت الدهشة إلى احتقار واشمئزاز.

إن ريبنتروب يحاول أن يقلد بسمارك في أحاييله السياسية. ولكن كم من الفروق الشاسعة بين تلك الشخصيات التي بنت مجد الإمبراطورية وتلك التي تذهب بمجدها إلى الهاوية.

أما هتلر فقد عقد نيته على الحرب سنة ١٩٣٩ كما فعل بسمارك سنة ١٨٧٠. وقد نستطيع أن نقول: إن ذاك الأرستقراطي البروسي لا يختلف على وجه العموم عن ذلك النقاش الآستوري، فكلاهما على استعداد لإزهاق ما لا يعد ولا يحصى من النفوس البشرية في سبيل المطامع الشخصية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>