للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تحية إلى صديق راحل]

للأستاذ محمود رزق سليم

توفي الصديق الكريم، عبد العزيز المراغي، في صباح الخميس ١٦ نوفمبر عام ١٩٥٠ م. فخبا بوفاته نجم لامع، وتوارت ومضات أمل ضاحك. وقد لاقى ربه بعد مرض لم يمهله، ولم يشفق عليه، وهو شاب القلب، فتى الفؤاد، يقظ الرأي، متوثب الرجاء، يعد نفسه إعدادا ممتازا لمستقبل سعيد يخدم به دينه ومليكه ووطنه.

وقد تلقى أصدقائه وعارفوا فضله خبر وفاته بقلوب فاجعة، وعيون ذارفة، ونفوس ولهى، وشعروا كأن ساعدا قويا قد اختطفه من بينهم على غرة، ويدا خالسة قد استلبته منهم على غير أهبة. ولكنه الأجل الوافي، والقدر المحتوم، والموت النقاد.

وقد نعاه الناعون ما بدا لهم النعي، ورثته الصحف ما عن لها الرثاء. وذكروا طرفا من أخبار حياته الحافة وبقى منها الشيء الكثير.

وقد كان عبد العزيز واسع الأفق في نواح من الحياة كثيرة. فقد هيأت له ملابساته - مع ذكائه وفطنته - أن تكشف له كثيرا من حقائقها، كما دفعته إلى تجربة الأمور وملاحظتها. فاكتسب من وراء ذلك مرانه وخبرة، وحنكة وحسن بصر بالأمور ومعالجتها.

وقد كان منذ صغره مشغوفا بأخيه الأكبر الأستاذ الإمام المراغي، ويرى فيه نموذجا ساميا يقتدي به. وقد جمعت بينهما ظروف الحياة، أكثر مما تجمع بين شقيقين. فرحل معه إلى السودان، وتعلم بكلية غوردون. ثم عاد إلى مصر فاندمج في سلك طلاب الأزهر، مبرزا بينهم حتى تخرج به بأرقى شهاداته حينذاك. وأرسل في بعثة علمية إلى إنجلترا، فلبث فيها زهاء خمسة أعوام، ازداد فيها علما بالحياة، ومعرفة بمذاهبها ومآتيها. وتخصص في دراسة التاريخ الإسلامي وتاريخ الأديان، وهما من أهم المواد الثقافية صقلاً للأذهان ودعما للتجارب وتبليغا إلى الحق.

ولما بلغ أخوه الأكبر مرتبة المشيخة الجليلة، للمرة الثانية، كان عبد العزيز - وبخاصة بعد عودته من إنجلترا - أشد سواعده القوية، ومن أقرب مستشاريه إلى نفسه. فحمل معه شيئا من العبء، على مقدار طاقته وجهده. وطبعي أن يصبح في ذلك الحين، موضعا للأمل والآملين، كما كان محطا للنقد والناقدين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>