وقد استطاع عبد العزيز في هذه الحقبة - وهو على كثب من أمور الأزهر - أن يدرسها ظاهرها وباطنها، صريحها ومؤولها، وأن تتكشف له منها مواضع الداء، ويقدر الدواء. ولا أغلو حينما أذكر أن حدب عبد العزيز على الأزهر، وشغفه به، وأمله القوي في أن يسمق بنيانه، وترتفع أركانه، كان شيئا فوق مكنة الطالب الذي يعشق معهده، ويتعصب له
وقد عرف فيه إخوانه دماثة الخلق، والمرح، وبشاشة الوجه، وابتسامة الثغر، وعفة اللفظ على علانه - كما كان مطاوعا لكل ذي حديث، ولو كان فيه آمال، لا يصده عنه إلا بكيس ورفق - وربما نعى عليه بعض خلطائه أنه يلقى عدوه كما يلقى صديقه، فلا برم ولا تنكر - وما كانت هذه منه إلا لرحابة صدره وحسن سياسته، وحبه لتلافي ما يستطاع باللطف تلافيه. ولذلك ظل كثير ممن ينتقدونه ويحملون عليه، يبجلونه لذاته، ويحبونه لشخصه، ويلقونه لقاء الأخوة الكرام
ولما اختير إماماً للحضرة العلية الملكية تفتحت له من الحياة سبل جديدة، ازداد بها مرانه ومعرفة، وأخذ يخطو ويبرز نحو الصفوف الأولى بين رجالات الوطن. وكان إذ ذاك حركة دائبة. فيؤدي واجبه أمام مليكه، ويلقي دروسه وخطبه، ويذيع في المذياع، ويكتب في المجلات، في الأمور الدينية والاجتماعية والتاريخية
وقد كان عبد العزيز عالما أزهريا، بالمعنى الذي يفهمه التاريخ والعرف. ومرجع ذلك - فيما اعتقد - إلى حبه العميق للأزهر، وما في الأزهر من علم، وما له من تقاليد. فهو وإن بدا مترفا في بعض حياته، جانحا إلى الأخذ بأساليب العيش الحديثة. كان شديد الحنين إلى الحياة القروية الساذجة الهادئة التي تفضل البساطة في كل شئ من ملبس ومأكل ونحوهما، وهو سريع الجنوح إليها ما واتته الفرصة، ولهذا كان أحب الأيام إليه ما قضاه في بلده بالصعيد، والمراغة. . . بين عشيرته
وأهم خصوصيات العالم الأزهري - فضلا عن معرفة الشريعة الغراء - حبه الجدل والمناقشة، وقدرته على سوق الحجة والدليل، وعدم تسليمه لخصمه في سهولة ويسر. وقد كان عبد العزيز في ذلك، من الطراز الأول، لا يكاد المرء يدخل معه في نقاش حتى يفيض بالاعتراض والاستشهاد، وبالتدليل والتعليل، والموازنة والترجيح، حتى يصل إلى قرار الحق يشهد بذلك تلاميذه الكثيرون في كليات الأزهر، وأصدقائه، وأعتقد أن أصحاب