للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

البدائع

تأليف الدكتور زكي مبارك

للأستاذ يوسف محمد

كل كتاب بعنوان خلاب لم يخدعني فحواه ولم يغرني مرماه ولم يخلف ظني واضعه (كأطباق الذهب) و (نسيم الصبا) بل لما ألقى كتابا عنوانه أخاذ لم يخيب وهمي إلا هذا الكتاب الممتع الذي أنا بصدده، ففي هذه المرة فقط قد طابق عنوان الكتاب الواقع، وطابق باطنه ظاهره فهو على الحقيقة سلسلة نفيسة من الروائع والبدائع خليقة أن تخلد في مجلد

حسبك أن تقلبه حتى توقفك فصوله لطرافتها، وحتى تنفرج لك صفحاته عن معرض. وعن أمتع الأشياء، أو عن حديقة غناء فيها ما فيها من بهيج الأزهار ويانع الثمار حتى لتحار أيها تقطف وأيها تجني لفرط البهر إذ كلها بهي نهى، كأنك صبي فتنته معروضات اللعب المتباينة الأشكال أو شره إزاء لذائذ الصحاف والألوان

الكتاب في جملته أشبه شيء بموسوعة موجزة، دال على ذهن خصب وعقل رصين وقريحة طلقة وسعة اطلاع لا تغيب عنها لا صغيرة ولا كبيرة، أحاط صاحبها بالغابر والحاضر والآجل، فبينا هو يذكرك بماضيك لأنك لا تفهم حاضرك إلا به إذا هو يتابع عصره ويساير النهضة ويساهم فيها ثم يفكر في المصير لأن الأمس واليوم يهيئان الغد

فإذا ما تصفحت الكتاب فكأنك تقوم برحلة شائقة تتفتح فيها لذهنك آفاق جديدة وأبواب مغلقة وتنثال عليك آراء لم تكن في حسبانك، فتحس تجدداً في الفكر والشعور كمن استفاق من نوم عميق معافا مستجما، يخرج بك من حديث أدبي معجب إلى موضوع غزل مطرب، وينتقل بك من نقد رفيق لاذع إلى حديث عن سيرة عظيم بارع، ثم يستدرجك من هذا إلى تفطينك إلى رائع الشعر الدفين ودقيق المعنى الكمين، ثم يتجاوز معك إلى النظر في بعض وجوه الأخلاق والاجتماع وكشف الغطاء عن طلاء بعض الطباع وبعد هذا المطاف يرجع بك إلى الوراء، إلى الماضي البعيد أو القريب فيريك من آياته عجبا، ولعلك تزعم أن هذه الفصول أشتات وتفاريق تعوزها الوحدة المنسجمة، ولكن مهلا: روح الكاتب السارية فيها

<<  <  ج:
ص:  >  >>