لا تستغربوا هذا العنوان، وأستحلفكم أن لا تستتفهوه، فسترون بعد حين أن للغلطات النحوية شأناً وأي شأن. ستدركون عظمة الغلطة النحوية وخطورتها، ولن يكلفكم هذا الإدراك ما كلفني. ستقرءون المقال وستؤمنون بعده إن للغلطة النحوية الواحدة قدراً، وأنه لقدر لو تعلمون عظيم
ما كادت تنتهي من محاضرتها حتى عادت إلى أستاذها تستطلع رأيه، وتحاول أن تلمح في تقاطيع وجهه قيمة جهدها الذي بذلته. لقد كانت تحسب حساباً كبيراً لنقده، وخاصة لابتسامته الساخرة التي يلاقي بها جهداً بذل في غير موضعه واستنتاجاً سخيفاً متكلفاً بعيداً عن الصواب، وعن طبيعة الأشياءكما يقول. وما وصلت حتى بادرها بقوله: أهنئك، قالت أشكرك، قال أريد مقابلتك، قالت ومتى تشاء؟ قال أأنت قادمةً لعمل في دار الكوكب غداً؟ قالت لا. قال إذا قابليني بعد غد فسأكون هناك، قالت حسن، إلى بعد غد
وجلست تفكر بعدها ماذا يريد منها يا ترى؟ لم يدعها في حياتها قط إلا لعمل ذي شأن، أو لمسألة ذات خطر. ثم هو يتعجل تلك المقابلة، ما سر هذه العجلة؟ أكانت المحاضرة سخيفة إلى هذا الحد؟ ولم هنأها إذا؟ ولم تره في ظرف من ظروف حياته يقول غير ما يعني، أكان هازئاً؟ ولكنها لم تلمح منه إلا الجد ليلتها، ثم هي توقن إنه لن يستهزئ بها مهما يكن، في مكان وفي ظرف كهذين، وأخيراً هي تحس في شيء من الإخلاص أن المحاضرة كلفتها جهداً، وإنها وإن لم تكن خالية من المآخذ، إلا إنها بكل تأكيد لا تستحق إستهزاءاً علنياً ومقابلة مستعجلة. وأحس قلبها إن الأمر أهون مما تظن، ولكن متى خضع العقل للقلب؟ لقد ظل العقل في عمله يقدر ويحسب، يستبعد ويستقرب، يرجح وينفي، كل هذا وهو متعب مكدود، فأفسد عليها يوماً كانت أعدته لراحته الكاملة.
ظلت يوماً وبعض يوم تفكر، وتقلب الاحتمالات التي أمكن أن يخترعها عقلها في مثل هذا الظرف، وبدأت تحس إن تفكيرها في الموضوع أصبح آلياُ دائرياً، يبدأ ليعيد، ثم يبدأ من جديد وهكذا، وانتهت أخيراً بإبعاد كل احتمال أن تكون المقابلة خاصة بالمحاضرة، فلو كان ثمت متعجل في شأنها لقاله لها يومها، وإلا لأنتظر فرصة أخرى فهي لا تتغيب عنه كثيراً