[الصحراء]
للأستاذ عبد الرحمن شكري
أرُحبُكِ أم صمتٌ الأرض على غالب ... غدا مُصحِرٌ من روعه وهو هائب
كصمت الخشوع المطرقين تروعهم ... مقابرُ صرعى للردى وخرائب
وصمتٍ لِذِي المحراب في بيت ربه ... يقاربه في صمته ويخاطب
توَقَّعَ من قد غاله الصمت هاتفاً ... يكلمه من فرط ما الصمت راعب
كمخترق الظلماء لاح لعينه ... إذا جال فيها اللحظُ ما هو غائب
حَرّي أن يناجي النفس فيك أخو الحجا ... ويخشع صمتاً راكب فيك ذاهب
ويخشع من رُحبٍ كأن لا مدى له ... حكى أبداً ما حَدَّهُ الدهرَ حاسب
ويخشع أَن لا شيَء إلا مجانسٌ ... فلم يُلفَ إلا مُشبِهٌ أو مناسب
وكم راع رأى العين إِن كان لا ُيرَى ... سوى الشَّبهِ يتلوه الشبيه المصاقب
حكى خدعة الآمال آلك رافعاً ... على الأُفق بُشرّى كذبتها العواقب
سراب الأماني في الحياة خديعةٌ ... وقد تُهلِكُ المرَء المنى والرغائب
ومن ضل في خرق من العيش لبه ... كمن خذلته في الفيافي المذاهب
تَفَتَّحُ أبواب الجحيم عن اللظى ... كأن شواظ القيظ يسفيه دائب
سموم كَدُفَّاعِ البراكين أو لظى ال - حرائق يصلاه الحصا والنجائب
ويصلاه ركبٌ خال دنيا تقلَّصت ... عن النار لو يسعى جحيمٌ مقارب
ويَسوَدُّ وجه الأفق حتى كأنما ... ذُكاءُ دجت أو يكسف الشَّمسَ حاجب
وكم حار ركبٌ من فجاءة صحوة ... كما راعَ مرأى الحسن والعُرى سالب
إذا الجو كالِبلَّورِ أُخِلصَ لونه ... وصب عليه من سنا الشمس ساكب
كذلك غب الغيث ريعان بهجة ... كأن طلاءً قطره وهو صائب
كأن ضياءً في سواد سَحَابةٍ ... تكاثر حتى ثَقَّبَ الدجنَ ثاقب
تَفَجُّرَ ينبوع من النور غامر ... كما غمر الأرضَ المياه السوارب
ضياءٌ ترى المألوفَ من كل منظرٍ ... به فإذا المألوف منه الغرائب
وما فرحة الولهان عاد حبيبه ... بأصدق منها فرحةً وهو آيب