يؤمن نيتشة بأن حياة الإنسان هي نضال دائم لكل وهم ولكل خطأ. وينتظر إلى الوجود بعيني متشائم؛ فتبدو الطبيعة له صورة تبعث الخوف، والتاريخ وحشياً خالياً من المعاني؛ ينفر ممن يؤمن بأن كل شيء هو للأحسن! ولا يعتقد بأن في وسع الحياة أن تهب لنا لحظة فرح حقيقي. وإذا كانت هذه وهي الحقيقة فواجب الإنسان السامي أن يحارب بدون هدنة ولا هوادة كل ما هو سيئ، وأن يهدم كل القيم الخاطئة والتعاليم الفاسدة وألا يرحم أي مظهر من مظاهر الضعف والرياء والجبن في هذه الحضارة. (إنني أحلم برجال كاملين، مطلقي الإرادة، لا يدارون ولا يراءون. يدعون أنفسهم الهدامين. يخضعون كل شيء لنقدهم ويضحون بأنفسهم في سبيل الحقيقة. ألا ينبغي لكل سيئ ولكل كاذب أن يظهر تحت وضح النهار؟ نحن لا نريد أن نبني قبل الساعة الموقوتة، ونحن لا ندري إذا كان بإمكاننا أن نبني، أو إذا كان الأحسن لنا ألا نبني أبداً. هنالك متشائمون كسالى خاضعون مستسلمون؛ إننا لا نكون من هؤلاء. إن المثل الأعلى الذي نتبعه ونترسمه هو الإنسان الذي قال عنه شوبنهاور، من يعتقد بأن السعادة الحقيقية هي غير ممكنة، ومن يبغض ويمقت الوجود المادي الذي تتكامل فيه الإنسانية المنحطة، ومن يسحق كل ما ينبغي سحقه ولا يشعر بألم يحز في نفسه، أو ينتشر حوله؛ ويمشي بإرادة جبارة لا يلويه عن عزمه شيء، وكل إرادته أن يكون مع الحق والصدق في كل شأن من شؤونه)
يصل شوبنهاور بإنسانه إلى سلب الحياة منه والفناء المطلق، أما نيتشة فإنه يقدس (كاليوناني الديونوزوسي) هذه الإرادة التي تريد الحياة الخالدة وتعمل على تخليدها بأية الوسائل. فهو متشائم، لكن تشاؤمه لا يدفعه إلى الاستسلام، ولكن إلى البطولة المناضلة. فهو يرى الزهد علامة من علامات الانحطاط والذل. لأن التشاؤم - عنده - فكرة مستحيل تحقيقها، لا يقبل بها واقع ولا يثبتها منطق، ولن يكون الفناء غاية الوجود، وهكذا راح