نيتشة يمجد الحياة وآلاءها بدلاً من أن يبشر بالفناء وبغض الحياة كمعلمه؛ يقدس ما يقوي في الإنسان إرادته؛ ويضاعف عزيمته للوصول إلى الهدف الأسمى
ونيتشه في هذا شأنه شأن اليونان في مآسيهم، يفخر بذاته، ويطول بسموه، ويعجب بالحضارة اليونانية لأنها أنشأت جماعة من الرجال السامين، وهل غاية الحياة إلا مثل هذا التوليد؟ والإنسانية عنده تركض وتتألم وتتمخض لتلد هذا العدد الضئيل من هؤلاء الرجال السامين. (وإنما على الإنسانية أن تعمل لتحمل إلى الأرض رجال عبقرية، هذه غايتها، ليس لها من بعدها غاية! وإن علينا أن نوحي إليها أن تعجل بتوليد الفيلسوف والفنان فينا وفي غيرنا. وأن نسعى إلى إكمال معنى الطبيعة؛ وأن على الإنسان أن يحس بنفسه أنه صنع غير كامل من صنع يدها. ولكننا نوقظ فيه - برغم نقصه - هذه العبقرية الفنية حتى يساعد الطبيعة على إكمال ما جاء ناقصاً منها، وبهذا يكمل الإنسان الفنان صنع الطبيعة. وبهذا تغدو معرفة الإنسان نفسه وشعوره بصغرها هي أساس نهضته. . .
(إلا أنني أرى فوقي شيءً يتألق؛ هو أسمى مني، فيه من معنى الإنسان أكثر مما فيَّ! فساعدني على الوصول إلى مثل هذا المثل؛ كما أنني سأعمل على مساعدة من يفكر مثلي ويتألم مثلي. . . كل ذلك لنمهد الطريق أمام ذلك الإنسان المقبل، الشاعر بكماله ومعرفته الواسعة، ومحبته العميقة التي لا تحد، وقدرته المولدة وتأمله البعيد: هذا الإنسان الذي سيحيا في الأرض حاكما، بيده مقياس كل شيء) فلا يجب والحالة هذه أن نترك للمصادفات عمل هذا الإنسان، وإنما ينبغي للناس أن يجهدوا ويعملوا بالانتخاب على خلق هذه الذرية - ذرية الأبطال - على أن هذا المذهب قد يترك جحفلاً من العبيد الذين شأنهم أن ينفذوا إرادة الأبطال. والعبودية - عند نيتشة - لازمة لتحقيق مثل هؤلاء الأبطال. إذ ليست غاية العلم والبراعة أن تخفف من نصب هؤلاء المتعبين. فعمال اليوم ليسوا بأكثر سعادة من عبيد الأمس. هؤلاء كانوا يخضعون لشرفاء ذوي غطرسة وخيلاء. وأولئك دائبون على خلق نخبة سامية من رجال العبقرية، فالبطل ليس دأبه بأن يحقد على المظلومين والمتخلفين فحسب، بل مما ينبغي له أن يقتل عامل الشفقة في صدره إذا هب لأنه عامل خطر. إذا ظفر عمل على قتل البراعة في سبيل السعادة المادية للإنسانية. وهو - هنالك - لابد مصطدم بالشريعة الغالبة التي تسيطر على الوجود. وكل من ود أن يحيا، أو حكم عليه