بأن يحيا في وجود مشحون بالألم والفناء أفينبغي له أن تشتمل نفسه على هذه المضادة المؤلمة التي تعبر عن كنه الحياة، وسر كل تطور واستحالة. . . (كل لحظة تفترس الثانية. وكل ولادة هي موت كائنات لا عداد لها. الولادة والحياة والموت كنه ذو جوهر واحد. وهكذا نستطيع أن نشبه البراعة المنتصرة بالبطل الظافر الذي يسيل دمه من جراحه، ولكنه يجر خلفه قطيعاً من المغلوبين والعبيد المقيدين بعجلته)
ينبغي لنا إذا أردنا الحقيقة أن نضرب بكل وهم باعث على التفاؤل عرض الحائط. فالرجل الغربي الذي يظن ببساطة نفسه أن العلم يبعث على السعادة، ويرى أن سعادة الجميع هي غاية الحضارة القصوى؛ هذا الرجل يجرب أن ينكر تعس (العبيد) هذا التعس اللازم للمجتمع البشري. وهو يموّه عليهم بقداسة العمل، زاعماً أن الآكل بعرق جبينه هو أشرف الناس. فياله من مذهب حقير أصبح لا يخدع أحداً! ولماذا لا نعترف بأن العبودية هي حقار وصغار، ولكنا نستطيع أن نخفف وقعها ونجعلها أقل شقاء، ونحتم على أصحابها القبول بها. . . فما ظل المجتمع الإنساني على هذا الوضع فان فيه الأقوياء الذين يرفعون عظمتهم على طائفة من المستضعفين في الأرض!
كان المدفع يدوي في جوف أوربا، ونيتشه معتزل في أحد وديان (الألب) يعالج درس الروح اليونانية وفنهم وحياتهم. ولما استقر السلام أعلن أن عصر الأحزاب قد شارف النهاية. وأن روحاَ حرة يجب أن تنهض وتعرف كيف تتعالى فوق هذه الحدود! (إن الشرق والغرب مفصولان بشحطة يرسمها قلم لأعيننا، هذه الشحطة هي التي تثير خوفنا. تقول النفس الفتية (أنا اجرب بأن أكون حرة) وحق لها أن تثور، لأنها ترى أن شعبين قد يهرقان دماؤهما لأن بحراً يفصل بينهما، أو لأن ديانتين مختلفتين عندهما لم تكونا قبل ألفى عام) وهكذا نرى نيتشة بكل ما أوتي من تفكير وقوة يريد أن يزعزع تقاليد عصره، ويشعر بنفسه بأنه لم يخلق لحاضره وإنما خلق للأجيال القادمة