قامت الجمعيات والطوائف السرية في جميع العصور والمجتمعات وتنوعت مبادئها وغاياتها الدينية والسياسية والاجتماعية، ولعبت مختلف الأدوار في تكوين الآراء والعقائد، وذهبت في الغلو والإغراق كل مذهب، وتركت أثارها في جميع الأمم والمجتمعات التي قامت بها.
ولكن التاريخ لم يسجل صفحاته السرية الحافلة سيرة أغرب وأروع من سيرة جماعة سرية من البشر الهائمين اصطلحوا على التوسل لتحقيق مبادئهم الروحية المزعومة بتشويه الإنسان وتعطيل مهمته الاجتماعية بطريقة بربرية اعتبرت في جميع الأمم والعصور وحشية مثيرة تطاردها الأمم المتمدينة بمنتهى الشدة والصرامة، تلك هي (طائفة المجبوبين)(سكوبتسي) التي قامت في روسيا في أواسط القرن الثامن عشر، ولا تزال قائمة حتى اليوم، والتي تعتبر الجب وسيلة النقاء من الدنس وطريق الخلاص الأبدي من آثام هذه الدنيا.
ولقد عرف التاريخ منذ أقدم العصور أمثلة من هذا النوع اعتبرت فيها هذه الوسيلة الهمجية ضرباً من التضحية السامية التي ترتفع بصاحبها إلى مراتب التقديس، وظهرت بين بعض طوائف الرهبان في أوائل عصور النصرانية، وذاعت حيناًَ بين رهبان الكنيسة الشرقية، ولكنها كانت دائماً مثار الإنكار من الناحيتين الدينية والإنسانية.
وعرفت معظم العصور والأمم طوائف الخصيان والمجبوبين من العبيد والخدم، وعرفتها المجتمعات الحديثة حتى أواخر القرن الماضي، ولكن طوائف الخصيان كانت تحشد دائماً من الرقيق بسائر أنواع؛ وكان نظام المجتمع منذ فجر التاريخ قائماً على التفرقة بين طوائف المجتمع، وكان الرق مشروعاً في هاتيك العصور، وكان الرقيق متاعاً مباحاً تجري عليه سائر التصرفات، وكان الخصي أو الجب وسيلة بربرية لأعداد طوائف من الحشم