تمتاز بصفات خاصة تؤهلها لخدمة القصور والبيئات الرفيعة؛ وقد استطاعت طوائف الخصيان أن تشق طريقها إلى السلطة والنفوذ في مواطن كثيرة؛ ولكنها كانت تعتبر دائماً من الناحية الاجتماعية من الطبقات الدنيا، وكان ينظر إليها دائماً في كثير من الرثاء والإشفاق لأنها تعاني حالة اجتماعية منافية للأوضاع الإنسانية الطبيعة.
ولكن المجتمعات المتمدنة تنكر اليوم الرق وتعتبره ضرباً من ضروب الهمجية الذاهبة. وتعتبر القوانين المحدثة الخصي أو الجب من أشنع الجرائم التي يمكن أن تقع على إنسان، وتعاقب مرتكب الجريمة الشائنة بأقسى العقوبات، بل تعاقبه بالإعدام كالقاتل العمد سواء بسواء.
ومع ذلك ففي قلب أوربا المتمدينة تقوم إلى اليوم تلك الطائفة السرية العجيبة طائفة (سكوبتسي) وشعارها تلك الجريمة المثيرة جريمة الخصي أو الجب كوسيلة إلى السعادة الروحية والخلاص الأبدي.
وترجع الرواية قيام هذه الطائفة السرية إلى أواخر القرن السابع عشر على يد فلاح يدعى دانيلو فليبوف؛ ولكنها عرفت يومئذ بجماعة (أهل الله)، وتزعم الرواية أن دانيلو هذا ألقى ذات يوم جميع الكتب المقدسة في نهر (الفولجا) وقال إنه لا يوجد كتاب يحقق سلام الروح الأبدي سوى الروح القدس ذاته؛ ثم صعد إلى الجبل مع نفر من أنصاره؛ فنزلت عليه سحابة من النور، ونفذ إليه الروح القدس؛ وزعم أنصاره أن الإله قد مثل في شخصه على مثل ما يزعم الدروز بالنسبة لشخص الحاكم بأمر الله.
وتتلخص تعاليم فليبوف فيما يأتي: أن الإله الذي قد بشرت به الأنبياء نزل إلى الأرض لينقذ أرواح البشر؛ وليس ثمة من إله غيره، ولا تعاليم غير تعاليمه؛ وعلى المؤمنين أن يطيعوه؛ وألا يشربوا الخمر، وألا يرتكبوا الزنا، وألا يتزوجوا؛ وعلى من تزوج ألا يقرب زوجته، وعليهم ألا يسرقوا، وأن يحتفظوا بسر تعاليمه، وأن يحب بعضهم بعضاً، وأن يؤمنوا بالروح القدس. وتبنى فليبوف بعد ذلك فلاحاً آخر يدعى سوسلوف وزعم أنه هو ابنه المسيح، واختار سوسلوف له أثنى عشر رسولاً، وتوفي سنة ١٧١٤، ودفن في أحد الأديار.
وبعد وفاة سولسوف تمثلت روح المسيح على حد زعمهم في شخص لوبكين وهو جندي