للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في ذكرى يوم الاستقلال]

إلى بلدي الحبيب

للأستاذ علي الطنطاوي

(في مثل هذا اليوم (٨ مارس) ولد الاستقلال السوري. الذي

عاش عامين ثم مات في (ميسلون))

متى يا زمان الشؤم يعود بلدي كما برأه الله دار السلام ومعرض الجمال، ومثابة المجد والغنى والجلال؟ متى يرجع بَرَدى يصفق بالرحيق السلسل؟ متى تثوب الأطيار المروعة إلى أعشاشها التي هجرتها، ورغبت عنها حين سمعت المدافع ترميها بشواظها الحامي؟ متى تؤوب تلك الحمائم فتشدو على أفنان الغوطة تنشد أغنية السلام؟

متى؟ متى يا زمان الشؤم؟

أتظل الأشجار عارية في جنات الغوطة. لا تعلو هاماتها تيجان الزهر، ولا تتدلى أغصانها بعناقيد الثمر، لأن الزراع قد أغفلوها فلم يتعهدوها بالسقيا، ولم يجروا إليها بالماء؟ أتبقى هذه الحقول والجنائن جرداء قاحلة لأن الفلاحين انصرفوا عنها مستجيبين لنداء الوطن الجريح. الممزق الأوصال، مهطعين إلى داعي الجهاد حين أذن بهم: حي على خير العمل؟

متى؟ متى يا زمان الشؤم يستريح الشام (بلدي الحبيب)؟

ما رأيتك استرحت يا (بلدي الحبيب) ساعة واحدة، فهل كتب عليك أن تظل أبداً في تعب وعناء؟ إني لم أكد أتبين نور الحياة وأرى وجه الدنيا، حتى رأيت المدرس يدخل علينا (معشر الأطفال) مربد الوجه فزعاً مذعوراً. فسألنا: ماله. . . فقالوا لنا كلاماً لم نفهم له معنى، قالوا: إنها الحرب! ولكن إي حرب. . . إن المدرسة مفتوحة، والأسواق قائمة، والمدينة هادئة مطمئنة فأين هي هذه الحرب؟

قالوا: هي هناك في مكان بعيد. فضحكنا وقلنا: هل هناك أبعد من (الصالحية) أو (المزة) إننا لا نبلغها حتى نمشي ساعة على الأقدام، وليس فيها حرب، فأين هي هذه الحرب؟

وهزئنا ولبثنا نلعب ولكن الأيام أرتنا وا أسفاه هذه الحرب: رأيناها في أسواق دمشق، عندما شاهدنا القتال يدور فيها كل صباح من أجل رغيف من الخبز، والفرن مغلق ما فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>