تحدثت في المقال السابق عن الأسلوب الذي تدرس به البلاغة العربية في الجامعة، وعبت أن يكون هذا الأسلوب العامي الركيك هو الذي يلقى على طلبتها، وتنقصه بأنه يفسد ذوق التلاميذ، وبأنه لا يتفق وطبيعة النصوص العربية الفصيحة، ولا سيما كتاب الله الكريم.
وقد سمعت بعض الاعتراضات على ما كتبت، فسمعت من يقول إن هذه محاضرات ألقيت على طلبة صغار لم يتعدوا مرحلة التعليم الثانوي إلا منذ قليل، ولم يشهدوا من علوم البلاغة إلا نتفا يسيرة. ونسى هذا القائل أن طلبة الجامعة تلقوا في المرحلة الثانوية كتبا ذات بال في علوم البلاغة، وفيها من النصوص العربية الفصيحة العالية، ومن الأسلوب المهذب الطيب، ما يهيئهم لأن يتلقوا أسلوبا أرقى واسمح، وحسبك أن تنظر فيما يدرس في المدارس الثانوية من كتب في هذا الفن لترى أن أسلوبها ارجح وأقوى من هذا الأسلوب الذي نقلنا مقتطفات منه في المقال السابق، وحتى لو كان الطلاب لم يتلقوا في المرحلة السابقة شيئا يذكر لكان لزاما على أستاذ البلاغة في الجامعة أن يكون مثلا لهم فيحسن التعابير، وجمال اختيارها، وإذا كان لا بد من أسلوب عامي، فليكن أسلوبا مهذبا لائقا. وإن علماء النفس يحدثوننا عن تداعي المعاني، وعما تلقيه الكلمات من المعاني والظلال في نفوس السامعين، والأستاذ الخولي مؤمن ب هذا، فهل يستطيع أن يحدثنا عما تحدثه الكلمات من أمثال قوله عن محمد وجميع الأنبياء أنهم (سعاة بوستة) أو قوله شارحا قول الله عز وجل (وما أنت بمسمع من في القبور): (أنت مش قدام ناس. أنت قدام ألواح وبهايم) وماذا تنشره من ظلال، وماذا تستجلبه من معاني في نفوس تلاميذه؟ وسمعت من يقول أنه لا باس أن يكون هذا الأسلوب أداة التعليم في الجامعة، والأسلوب العامي ما دام لم يكتب في كتاب وأن ما يلقى في درس في حجرة فلا غبار عليه. وجوابي على هذا أني أتكلم عن تدريس فن البلاغة في الجامعة لا عن تدريس الجغرافيا في المدارس الابتدائية، أما الثالث فيقول: أن اللجوء إلى نقد الأساليب تهرب من نقد الآراء، وهذا ولاشك جاهل أو متجاهل قيمة الأسلوب في تكوين أذواق المتعلمين بلوفي أخلاقهم وعاداتهم أيضا. على أني - بحول الله وقوته - ماض في نقد ما تضمنته مذكرات الأستاذ الخولي في علوم البلاغة