في الصحاح:(للعرب أحرف لا يتكلمون بها إلا على سبيل المفعول به وإن كان بمعنى الفاعل، مثل قولهم: زهى الرجل، وعني بالأمر، ونتجت الشاة والناقة وأشباهها. فإذا أمرت منه قلت: لتزه يا رجل، وكذلك الأمر من كل فعل لم يسم فاعله لأنك إذا أمرت منه فإنما تأمر في التحصيل غير الذي تخاطبه أن يوقع به، وأمر الغائب لا يكون إلا باللام كقولك: ليقيم زيد، وفيه لغة أخرى حكاها ابن دريد: زها يزهو زهوا أي تكبر، ومنه قولهم: ما أزهاه، وليس هذا من زهي، لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه. وقلت لأعرابي من بني سليم: ما معنى زهى الرجل؟ قال: أعجب بنفسه، فقلت: أتقول: زها إذا افتخر؟ فقال: أما نحن فلا نتكلم به). والبيت من قصيدة جيدة مطلعها:
أخفي هوى لك في الضلوع وأظهر ... وألام من كمد عليك وأعذر
وقد روى ابن خلكان منها سبعة عشر بيتا (فيها البيت المذكور) ثم قال: (وهذا هو السحر الحلال على الحقيقة، والسهل الممتنع، فلله دره ما أسلس قيادة، وأعذب ألفاظه، وأحسن سبكه، وألطف مقاصده. وليس فيه من الحشو شئ بل جمعيه نخب).
قال الصاحب بن عباد في رسالته (الكشف عن مساوئ شعر المتنبي): (جرى حديث أبي عبادة البحتري وهو - يعني ابن العميد - يوفيه حقه الذي استوجبه لجزالة لفظه، وبشاشة نسجه، وغزارة طبعه، وحلاوة شعره. وقال في أثناء هذا المجلس: ما علمت أن في طبع البحتري تكلفا إلى أن قرأت قصيدته في صفة الإيوان (صنت نفسي عما يدنس نفس).
قلت: إن العربية لتحمد الله كثيرا أن كان في طبع البحتري تكلف - كما يقول الأستاذ الرئيس - حتى ينظم شاعرنا هذه القصيدة البارعة الباهرة العبقرية. ولو لم تتجل صفة