قلت للشيخين صالح وعلي وقد لقيتهما في هوادي الليل يتبختران بميدان إبراهيم في الحرير الشاهي والجوخ المصقول: الآن تتركان القرية والقطن يريد العزْق، والدودة تطلب المراقبة؟ فتسابقا إلى الجواب كأنما حضراه من قبل واتفقا عليه، فكان كلمة من هذا وكلمة من ذاك. قالا:
جئنا نجتلي طلعة المليك، ونهنئ وزارة الشعب، ونشهد برلمان الأمة. ثم قال الشيخ صالح وحده: وجئنا كذلك نبلغ نائبنا المحترم. . . رغائب الناخبين ومطالب الدائرة
فملت بهما إلى قهوة من قهوات الميدان تعج بأمثالهما من الشيوخ والنواب والتوابع؛ وبعد شيء من نوافل الحديث كالسؤال عن العشيرة والزرع، عطفت على جوابهما المشترك بالتعقيب قلت: أما اجتلاء طلعة المليك فجلاء الهم ونعيم الروح وسرور النفس المؤمنة؛ وأما تهنئة الوزارة فشعيرة الحب المتبادل، وإعلان الثقة المؤيدة، وإهلال الرجاء المحقق. وأما تبليغ النائب مطالب الدائرة يا صديقي صالح فما لك تعجل به، والبرلمان لما ينعقد، والنائب مفروض عليه أن يصل نفسه بناخبيه صلة الرسول بالمرسل والوكيل بالموكل واللسان بالقلب؟ فأجابني بلهجة حاول باتزان إشارته واطمئنان صوته واعتدال جلسته أن تكون مقنعة، قال: إنا من جنود الوفد الأمين، وكنا من دعاة النائب المحترم، توسطنا بينه وبين الناس، فوعدناهم الوعود، ومنيناهم المنى، وبشرناهم النُّصفة؛ والفلاح درج منذ العهود الأولى على أن يفهم من لفظ (الحكومة) جباية المال وتسخير الرجال وتجنيد الشباب وتغريم المتخاصمين المبطل منهم والمحق. فلم يكد يفهم أن حكومة الوفد هي حكومة الفلاح: ترجع إليه وتعطف عليه وتعمل له، حتى انثالت علينا شكاويه وأمانيه بالبريد واللسان واليد
قال هذا وألقى على منضدة رخامية لا تأخذ منها هبًّة الريح ولا مسًّة الكف، إضبارةً بطينة من العرائض والرسائل، ثم قال لي: انظر! فابتدرتها يدي قبل الاستئذان إطاعة لحكم الصنعة، ثم أخذت أصفحها مع الوسيطين ورقة ورقة
هذه عريضة من أهل قرية طغت على جنباتها الأربع البرك المنتنة، فأصبحت كالجزيرة الملعونة في غسلين جهنم!
صاحب البرك هو مالك الأطيان ومن أعضاء البرلمان؛ ورجال الإدارة يرجونه أو