للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يخشونه، فلا يذكِّرونه القانون إلا بالتي هي أحسن؛ والتي هي أحسن لا تساوي عجلاً في دوار الباشا! وأهل القرية وبعوض الملاريا في رأيه سواء، فلماذا يقتل البعوض ويبقون هم في الأحياء؟

وهذه عريضة من أهل قرية يسكنون المسكن القذر، ويشربون المشرب الكدر، ففشت في دمائهم جراثيم الانكلستوما والبلهارسيا، ففزعوا منها إلى مستشفى الحكومة بالبندر، فكان ما كابدوه من عنت الممرضين والأطباء، أضعاف ما كابدوه من عنت الأدواء، ففر الموسر من العلاج بالمجان إلى العلاج بالأجر، ولاذ المعسر من تعب الإنسان إلى راحة القبر!!

وهذه عريضة من أهل قرية يملك أرضها مُثْرٍ يملك اثني عشر ألف فدان، ولكنه منهوم لا يشبع، وطماع لا يقنع، وقاس لا يلين، فهو يشتط عليهم في أجرة الأرض حتى يأخذ القطن فلا يفي، ويغتصب أكثر القمح والذرة والأرز ولا يكتفي، فيضطر المستأجر المجهود إلى أن يدفع الجوع عن أسرته بالعمل أجيراً عند الناس. وهكذا يظل طول عمره دائب العمل، دائم الفقر، لا يخف عنه دين، ولا يجف له عرق.

وهذه عريضة من أهل قرية ليس فيهم كاتب، وحفاظ القرآن منهم ثلاثة عميان لا يحسبون إلا (النجم) ولا يعرفون إلا تاريخ اليوم بالعربية والقبطية؛ فإذا اضطرتهم الحال إلى تحرير عرض أو كتابة خطاب سافروا إلى الكتاب العموميين في عاصمة المركز. فهم يطلبون إلى (البرلمان) أن ينشئ لهم كتابا يحفظهم القرآن ويعلمهم الخط!

ومن خلال هذه العرائض المنطقية الرزينة كان يقع في يدي أنماط شتى من رسائل الالتماس عليها طابع السذاجة والحاجة؛ فهذا والد تلميذ فقير يطلب حق ابنه في المجانية؛ وهذه أم حنون ترجو إخراج ولدها من الجندية؛ وهذا تلميذ سابق يريد أن يكون موظفاً في وزارة؛ وهذا عسكري قديم يجب أن يكون حاجباً في محكمة؛ وهذا تاجر جوال لا تقع قريته على الطريق العام يحتم أن تمر بها السيارات العامة؛ وهذا فلاح يقترح على (البرلمان) أن يأمر التجار أن يشتروا القطن غالياً، مادامت الحكومة لا تأمر الملاك أن يؤجروا الأرض رخيصة.

كَلَّ النظر من طول القراءة، وألم الشعور من تناقض الأثر، والإضبارة الشعبية لا تزال وارمة! فطويتها بعناية ورفق، ثم قلت لحاملها الأمين الوفي: شكر الله مسعاك، وأعانك

<<  <  ج:
ص:  >  >>