إنه لمما يلفت النظر الأول وهلة لمن يطلع على خريطة سياسية للقارة الأفريقية تلك الخطوط المستقيمة الحمراء التي اعتبرت وما زالت تعتبر حدودا سياسية. وخاصة ذلك الخط الذي يفصل بين شطري وادي النيل، مصره وسودانه.
وليس الغريب هنا أن يقسم وادي النيل بواسطة خط مستقيم فحسب، ولكن الأغرب من هذا اعتبار الأرضي الواقعة جنوبي هذا الخط قطراً كيانه الدولي. وقد يعجب القارئ إذا عرف أن كلمة (السودان) لم تكن تعني حتى آخر القرن الماضي ذلك الجزء من وادي النيل المعروف بذلك الاسم في الوقت الحاضر؛ ولكن تلك الكلمة كانت اعم وأشمل وقد كانت تطلق على جزء كبير من قارة أفريقيا يمتد من البحر الأحمر في الشرق حتى المحيط الأطلسي في الغرب، وينضوي تحت تلك التسمية ما يطلق عليه الآن أفريقية الغربية الفرنسية والتي مازال يطلق عليها في الأوساط العلمية السودان الغربي.
وقد نص في اتفاقية ١٨٩٩ على ما يدعم كلامنا هذا؛ فقد جاء في المادة الأولى منها ما يأتي:
(تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض)
وهكذا أنشأ لوفاق حدوداً صناعية من الطراز الأول بين الشمال والجنوب، وليس أدل على (صناعيتها) من أنها قد حددت بأحد الخطوط العرض في الكرة الأرضية.
ثم اصدر قرار يجعل نهاية الحدود بين مصر والسودان خطاً يمتد غربي النيل على مسافة مائتي متر شمالي البرية الكائنة بناحية أدندان.
وكان نهر النيل قد أبى أن يقطعه خط صناعي مستقيم فكان هذا التجويف في الحدود الذي يدخل حلفا داخل السودان ويخرجها من الأراضي المصرية، وكأن سكان ودي حلفا (سودانيون) ومن يسكنون شماليا (المصريون).
وسواء كان هذا التجويف أو لم يكن فقد فصلت تلك الحدود بين جماعات ترتبط بروابط الدم واللغة والدين هي الجماعات النبوية التي تسكن الجزء من وادي النيل الممتد من