للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أسوان في الشمال حتى بلدة الدبة في الجنوب. ففي الشمال - داخل الحدود المصرية - بين أسوان وبلدة المضيق يعيش الكنوز الذي يبلغ عددهم ٤٣ , ٠٠٠ نسمة. ثم يحتل الفضيكية القرى الواقعة بين كرسكو ووداي حلفا ويقدر عددهم بنحو الثلاثين ألفا. وإلى الجنوب منهم يمتد وطن السكوت والمحس من وادي حلفا حتى قرب دنقلة؛ وهؤلاء كثيراً ما ينتقلون إلى مصر طلبا للرزق، ثم يليهم الدناقلة الذين يسكنون جنوبهم حتى بلدة الدبة.

وإخواننا النوبيون وإن كان المستعمر قد فرق بينهم بواسطة (خطه المستقيم) إلا أن لغتهم تربط بين جماعاتهم المختلفة كما تربط بينهم كذلك وحدة الدين، فقد كان النوبيون أيام الفراعنة يدينون بالدين المصري القديم؛ وفي أيام المسيحية بمصر دخلة الديانة المسيحية بلادهم. ولما دخل العرب مصر بلاد النوبة برمتها بعيدة عن التأثير العربي الإسلامي وتأسست بالنوبة دولة مسيحية بقيت مدة طويلة مستقلة عن البلاد المصرية إلى أن اعتنق أهلها آخر الأمر الدين الإسلامي، وإن كانت اللغة العربية لم تجد الطريق أمامها سهلا معبدا في بلاد النبوبة، فقد ظل النوبيون حتى الوقت الحاضر محتفظين بلغتهم النوبية المتعددة اللهجات

وليت الأمر قاصر على أن فصل هذا الخط بين النوبيين، ولكنه فصل كذلك بين جماعات البشاريين التي تسكن الصحراء الشرقية وتمتد شمالا حتى بلادة دراو وتعيش شعبة منهم شرق أسوان. وقد فرق (هذا الخط المستقيم) بين بطونهم دون مبرر، وفكك وحدتهم دون داع، وخلق المشاكل بينهم بسبب تقسيم الآبار ومناطق الرعي التي تعودوا أن يستفيدوا منها فائدة مشتركة، وجرى العرف بينهم على أن تكون مصادر الماء وأماكن الرعي ملكا مشاعاً للجميع.

وكأن الطبيعة قد أبت مرة أخرى أن يظل هذا الخط مستقيماً، ولكن المستعمر حار في أمر هذه القبائل فأبقى على الخط المستقيم (سياسيا) واختلق حداً آخر إلى جانب الحد السياسي، أو بالأخرى اختلق نوعا آخر من الحدود لم تعرفه دولة من دول العالم قبل ذلك، وهو الحدود الإدارية، وهو خط منكسر يتجه قليلاً في جنوب الحدود السياسية ثم ينحرف كثيراً في شمالها حتى يصل إلى البحر الأحمر، والغرض منه ضمان توحيد الإدارة في أرض القبيلة الواحدة، إما تحت إشراف حكومة السودان وأما ضمن الإدارة المصرية في

<<  <  ج:
ص:  >  >>