الصحراء الشرقية، وإقامة نوعين من الحدود في هذا الجزء أن دل على شئ فإنما يدل على أن الحدود العائمة غير طبيعية، أو بمعنى آخر أن الطبيعة في هذا الإقليم لا تسير الاصطلاح على حدود فاصلة من النوع المعروف الذي تتمشى فيه مقتضيات السيادة القومية مع الضروريات الإدارية المحلية.
ولعل من الطريف أن نلحظ أن مساحة المنطقة التي سلخت من الإدارة المصرية أضيفت إلى إدارة حكومة السودان تبلغ أكثر من تسعة أمثال ما أضيف إلى الإدارة المصرية من أراضى السودان، ومع أن هذا الأمر قد لا يكون ذا خطر كبير أو صغير من وجهة النظر المصرية السودانية إلا أن المصورات والخرائط الجغرافية التي تطبع حديثا في بريطانيا بل التي تقوم بطبعها حكومة السودان ذاتها كثيراً ما تغفل أمر الحدود السياسية ولا تثبت إلا الحدود الإرادية؛ ومع ذلك فان المنطقة التي سلخت من مصر غنية بنباتها، وهناك احتمال أن تكون غنية أيضاًببعض المعادن، فهي قرب البحر الأحمر ويوجد بها جبل علبة وغيره من المرتفعات، فإذا اكتشف بها بعض المعادن كانت مواقعها ومناجمها تابعة للسيادة المصرية من جهة، وخاضعة للإدارة (الثنائية) من جهة أخرى، وفي ذلك ما فيه. وإن كان المستعمر قد حاول أن يتجنب المنازعات بين القبائل والبطون على مياه مراعيهم فهو قد فرق بهذه الخطوط المتداخلة بين جماعات تجري فيها دماء واحدة وهي الدماء الحامية، وتتكلم لغة واحدة هي اللغة البدوية. هذا مع ملاحظة أن جماعات البشاريين إنما هي وحدة ترتبط بباقي قبائل البجاه الأخرى التي تسكن في مصر الصحراء الشرقية بأكملها ويعيشون في السودان الشرقي حتى الحدود الفاصلة بين السودان والحبشة من الناحية وبين السودان وأرتيريا من ناحية أخرى.
وهكذا يتضح جليا أن المستعمر قد تجاهل كل تلك الحقائق في سبيل تحقيق أغراضه ومراميه، وأخيراً قد تجاهل كذلك التاريخ. ولسنا بصدد إثبات تلك الوحدة بين شقي الوادي منذ اقدم العصور ولكن يكفي أن نذكر أن مصر والسودان - منذ أن فتح السلطان سليم الأول جنوب وادي النيل أول مرة عام ١٥٢٠م ووصلت جيوشه إلى الشلال الثالث، حتى وضع الإنجليز أقدامهم في السودان، كانت مصر والسودان خلال تلك الفترة الطويلة قطراً واحداً لا تفصل بين شطريه حدود، تديره حكومة واحدة، ويخضع لسيادة واحدة، ويذود عن