للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مواكب سلاطين مصر]

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

أن أفئدتنا المتعلقة بمصرنا العزيزة تتوق إلى كل ما يرتبط بهذا الوطن المجيد، فكما أن نسميها حبيب وحرها حبيب؛ وكما أن سماءها تأخذ بالألباب في صفائها، وتنعش فيها الأمل بسحابها ومطرها؛ وكما أن حاضرها نزهة الأعين وبهجة الأنفس، كذلك تجد النفس في ماضيها مسارح محبوبة للخيال والفكر. فلنعد إلى عصر من تلك العصور الماضية المجيدة، ولنتجرد من عصرنا الحاضر إلى حين لنفرغ إلى استجلاء بعض لذات تلك الأيام الغابرة، ولنشارك بالفكر مواطنينا الأعزاء الذين ملئوا أيامهم جلالاً وبهجة

لنعد إلى القرن الثالث عشر، ولنتخط إليه ستمائة عام على أجنحة الخيال، ولنقف حول ركاب ملوكنا الأمجاد الذين كانوا زينة العصر وحماة الديار عند ذلك، ولنشارك مواطنينا من الأجداد الذين كانوا يصطفون على جوانب الطرق وقلوبهم خفاقة ونفوسهم مملوءة بالإجلال الممزوج بالحب والعطف لهؤلاء الحماة، وللنظر إلى السلطان العظيم وقد أقبل في موكبه والناس يضجون بالدعاء له فيتلقونه بأحسن الاستقبال. حتى إذا ما صار منهم على كثب رفعوا الأكف وقرءوا الفاتحة ودعوا له بالنصر والقوة على حماية البلاد، ولنشارك مواطنينا في ذلك فلقد كان أولئك السلاطين تفيض قلوبهم بخير ما تفيض به قلوب الملوك من حب لخير الرعية وتفان في سبيل مصلحتها العامة.

كان أحد هؤلاء السلاطين الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، وكان يلقب بالعلائي البندقداري نسبة إلى الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري أحد أمراء الملك الصالح نجم الدين أيوب، وهو الذي اشتراه عندما كان مملوكاً صغيراً ثم آل ملكه إلى السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب، ولهذا يلقبه التاريخ أيضاً بالصالحي النجمي. وقد تعلم وترقى في الوظائف على النظام البديع الذي كان يسير عليه أمراء ذلك العصر في تعليم مماليكهم وترقيتهم حتى صار أميراً قائداً، وذلك لما أظهره من الشجاعة في الحرب ولا سيما في موقعة المنصورة في أيام الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح أيوب، وهي الموقعة التي هزم فيها الفرنج وأخذ ملكهم لويس التاسع أسيراً، وما زال حتى صار (أتابكاً) للعساكر أي قائداً عاماً لهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>