ياله من ظلم عبقري، وجور ليس له ضهي، ذلك الذي تصبه فرنسا ورجالها المستعمرون على القطر العربي تونس من سوط العذاب، لا تعرف في ذلك عدلا، ولا ترعى عهدا، ولا يصدفها عن البغي حق إنساني، ولا كرامة أدبية، ولا حرمات واجبة الرعايا، حتى صار أحب الأشياء إلى القاسطين من رجالها، وذوي الغشمرية من ممثليها في تلك البلاد أن ينكلوا بأبنائها ويسوموهم الخسف، ويذيقوهم ضروب العذاب وألوان النكال!
هل أتاك حديث هؤلاء الفرنسيين وما اكتسبوا من سيئات؟ وهل قرع سامعيك - في هذا الوقت الذي يتشدق فيه الدعاة بمبادئ الديمقراطية والحرية - نبأ تلك الفظائع والقوارع التي يشيب من هولها الولدان، وتقشعر من سماعها الأبدان، إذ اندلعت نيران الثورة بإقليم الساحل من القطر التونسي، لما شعروا به من فداحة الظلم وثقل الجور واهتضام الحقوق، فاندفعت الجنود والكتائب الفرنسية نحو القرى الآمنة، واقتحمت الدور الوادعة، وأهلها عزل من كل سلاح إلا سلاح الحق والإيمان، فاعتقلوا الرجال، وأخذوا الرهائن، وانتهبوا البيوت، ودكوا بمعاول الهدم والتخريب!
ولم يكتف هؤلاء الجنود ومن يأتمرون بأمرهم من الرؤساء بهذا العدوان الآثم، وهذه الجرائم التي لا يقرها عرف ولا قانون، فطوعت لهم أنفسهم إحياء ما كمن فيها من غرائز دونها غرائز الحيوان الذي حرم نعمة النطق والتفكير والتربية والتهذيب، فاستباحوا الحرمات، وهتك العلوج أعراض النساء المسلمات، وعرضوهن عاريات، إمعانا في التنكيل، وإيغالا في الإذلال والتعذيب!!
فكيف تستطيع فرنسا وقد اجترح رجالها هذه السيئات، واقترف جنودها تلك الآثام أن تواجه الأمم المتحضرة وتجلس معها جنبا إلى جنب، وتشترك معها في تقرير مصاير الأمم وحريتها، وأن تدعي لنفسها أنها ميزان من موازين القسط، وإنها من سدنة الحرية والإخاء والمساواة؟!
ألا إنهم يخادعون الناس، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون!!
هذه الأمة التونسية كرمت محتدا وطابت أرومة: إنها عربية تجري في عروقا فضائل