للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

حول (علم النبي بالغيب)

نشرت الرسالة الغراء في العدد (٩٩٨) مقالاً للأستاذ ناصر سعد عن علم النبي بالغيب، ونحن نحمد له جهده الموفق في إيراد تلك الحوادث التي جعل منها شواهد على رأيه، ولكننا لسنا معه في أن النبي ولا غيره يعلم شيئا من الغيب عن طريق العقل أو الروح كسبا نفسيا تتجلى فيه شخصيته، وتبرز عنه إنسانيته، فالقرآن الكريم أثبته لله ونفاه عن غيره في قوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً) وعلى لسان النبي في القرآن أيضاً (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) و (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) وغيرها وغيرها، وأخبار الرسول بهذه المغيبات، إنما بوحي يوحى إليه، وليس لنا أن نقول كما قال الأستاذ (إنها بقوة إلهية) حتى نحصر مسائل الغيب على التوفيق من الله، والرسول بشر يوحى إليه، فما ينطق عن الهوى، والقوة البشرية كائنة ما كانت، لا تطول أن تخلص إلى الغيب إلا بإظهار الله، وهذا هو الذي يتساوق مع منطق العقل، مضافا إلى ذلك ضآلة كل ما سوى الله بجانب العلم الإلهي، أما قراءة الأفكار فهي من باب الحدس الذي يعتمد على قوة النفس، وشدة الفراسة، وحدة الذكاء، وحسن الاستدلال ببعض المظاهر الانفعالية على أشياء قد يخطئ الحدس فيها ويصيب، فلا ترقى بحال من الأحوال أن تكون علما مباشراً للحقائق الخفية عن حواسنا الظاهرة والباطنه، ويقال عن عالم الأرواح هذا أو قريب منه، ولتقريب ما أذهب إليه إلى الذهن أو رد فقرات من حديث العلامة المرحوم السيد رشيد رضا في كتابه (الوحي المحمدي) قال: (الغيب ما غاب علمه عن الناس، وهو قسمان (غيب حقيقي) لا يعلمه إلا الله، و (غيب إضافي) يعلمه بعض الخلق دون بعض لأسباب تختلف باختلاف الاستعداد الفطري والعمل الكسبي، ومن أظهره الله على بعض الغيب الحقيقي من رسله، فليس لهم في ذلك كسب، لأنه من خصائص النبوة عير المكتسبة) من هذا يتضح أن الرسول لا يعلم الغيب، وإنما يظهره الله عليه في بعض المسائل تصديقا له، وعونا على أداء رسالته وذلك يلتقي مع المعجزة في غرض واحد، هو ما رأيت، فلو كان يستشف ما وراء الغيب من نفسه لأمكنه أن يتوقى ما حدث له من إيذاء، وما خطر في سبيله من أهوال، ولجانب المصاعب في سبيل رسالته،

<<  <  ج:
ص:  >  >>