[الفقيد العزيز]
للأستاذ علي شوقي
خلعتُ رداَء الشباب الْجَديدْ ... وأُلبِستُ تاجَ المشيب النضيدْ
وأصبحتُ نضواً مهيض الجناح ... وقد كنت آوى لركن شديد
وما شاب رأسي ولكنه ... ضَحَى ظلُّ الشباب المديد
فقل لعذولي مضت وانقضت ... ليالي التصابي وتلك العهود
وإني فقدت الشباب العزيز ... ألا رحم الله ذاك الفقيد
وعدتُ من الحب خلو الفؤاد ... ما كنت أحسب إني أعود
وحطمتّ كأسي وأُنسِيت أُنسي ... فلا اللهو لهو ولا الغيد غيد
وقطّعتُ باليأس حبل الرجاء ... وألقيت عنيَ تلك القيود
فما يستبينيَ سحرُ العيون ... ولا يطّبينيَ وردُ الخدود
وقلت لجفني هَناك المنامُ ... فيا طالما كنت تشكو الهجود
وقلت لقلبي اغتبط بالسلوِّ ... فهذا الذي كنت منه تحيد
وجنًّبت نفسي خداع المنى ... وتغرير شيطانهن الْمَريد
وكنتُ امرأ مولعاً بالجمال ... إذا ما انقضت صبوة أستعيد
على أنني كنت ذاك الوفيَّ ... الشريفَ الأبيَّ الأليفِ الودود
ولم آت بائقةً في الغرام ... تسلُّ علىًّ لسان الحسود
وذلك أني صحبت الليالي ... فأوحين لي سر هذا الوجود
وعلمننَي كل ما ينبغي ... لمن يبتغي طول عيش رغيد
كما أنني قد خبرت الأنام ... وما رست إيعادهم والوعود
فما راقني العهد من صاحب ... ولا راعني من عدّو وعيد
وبتُّ من الناس في راحة ... سواء قريبهم والبعيد
أعيشُ كما عاش ليثُ الشَّري ... وحيداً وهل ذلّ ليثٌ وحيد
يروح ويغدو على قُوته ... ويكفيه من قوته ما يصيد
أسيرَ الحياة طريدَ الممات ... ألا فأعجبوا للأسير الطريد