للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

٤ - ابن خُرْدَاذبه

للأستاذ كوركيس عواد

(تتمة)

٦ - الخصومة بين ابن خرداذبة وأبي الفرج الأصفهاني

(ا) تمهيد

كان الأستاذ كامل كيلاني قد أحسن غاية الإحسان بنشره بحوثاً طلّية في وصف بعض (الخصومات) أو (المناظرات) الأدبية القديمة التي دارت رحاها بين طائفة من أكابر العلماء، وكان لها شأن في توجيه الرأي الأدبي في تلك الأزمنة الغابرة.

وما من شك في أن هاتيك الخصومات تمثل لنا لوناً من ألوان الثقافة، وتكشف عن منحي من مناحي المجتمع، كما أنها توضح لنا بأجلى بيان ما كان يضطرم أحياناً في نفوس بعض الأدباء من حبٍ للتنافس، وميلٍ إلى الظهور والتصدُّر، وانسياقٍ لعوامل الحقد والضغينة؛ وتفصح لنا عما كانت تنطوي عليه أخلاق بعضهم من كبرٍ أو مكابرة، وعنتٍ أو دهاء. . . ومهما يكن من أمر، فإن تلك الخصومات صفحة أدبية رائعة الجمال، إذ شحذ مسطِّروها أذهانهم لإحراز الفوْز، وأفرغوا ما في وسعهم من الأدلة والبينات التي كانت تتجاوب أصداؤها بينهم، وتتدافع تدافع السيل العرم، لتنال مكانها من الظفر!

ولقد وقفنا على شيء يقرب من ذلك، تشب بين اثنين من أشهر الكتبة الأقدمين، وهما ابن خرداذبة وأبو الفرج الأصفهاني.

وإذا تكلمنا على الأول منهما بما مرَّ بك تفصيله، فلنقل كلمةً وجيزة نمهد بها موقفه من الخصومة، فنقول:

(ب) أبو الفرج الأصفهاني

إن شهرة أبي الفرج البعيدة، تغنى عن التعريف به. وكتابه العظيم الموسوم بـ (الأغاني) الذي سلخ في جمعه وتأليفه على ما قال خمسين سنة، لمن أعظم الكنوز الأدبية قيمة، وأحفلها مادة! وكفاه من سمو المنزلة ومزيد الاعتبار أن الصاحب بن عباد - وهو من هو - (كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملاً من كتب الأدب ليطالعها، فلما

<<  <  ج:
ص:  >  >>