وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواء لاستغنائه به عنها!)
وكان الصاحب هذا يقول:(لقد اشتملت خزانتي على مائتين وستة آلاف مجلد، ما منها ما هو سميري غيره (أي غير كتاب الأغاني) ولا راقني منها سواه. . .)
وكان عضد الدولة (لا يفارقه في سفره ولا حضره، ولقد كان جليسه الذي يأنس به، وخدنه الذي يرتاح إليه)
ولأبي الفرج كتب عديدة أخرى ذكرها مترجموه ورواة أخباره. ضاع اغلبها، ففاتنا بضياعها من الخسارة بما لا يمكن التعويض عنه.
ولسنا في مقام التبسط فيذكر ترجمته، فذاك أمر معروف مشهور، وإنما اكتفينا بالتنويه بكتابة الأغاني، لما له من الخطر في الخصومة التي أشرنا إليها. أما من أراد الوقوف على أخبار أبي الفرج، فعليه بها مفصلة في (تصدير) المجلد الأول من الأغاني المطبوع في دار الكتب المصرية. ففيها كل الغناء.
وما لا بد من النص عليه، هو أن أبا الفرج توفي في أواسط المائة الرابعة للهجرة (أي في سنة ٣٥٦ للهجرة)، وهي المائة التي ازدهر فيها الأدب العربي، واستقام أمره، واتسعت مادته
(ج) الخصومة
والخصومة التي سنذكرها، تختلف عن كثير من الخصومات لأنها جرت بين شخصين باعد بينهما الزمن! فقد ذكرنا من قبل أن ابن خرداذبة نادم المعتمد الخليفة العباسي، وخص به، وكانت وفاة المعتمد في سنة ٢٧٩ هـ. فيكون ابن خرداذبة من أبناء المائة الثالثة للهجرة، ولعله تعداها فعاش بعض السنين من المائة الرابعة
أما أبو الفرج الأصفهاني، فقد وُلِدَ سنة ٢٨٤ ومات سنة ٣٥٦ للهجرة. فهل يكون قد أدرك في أوائل شبابه شيخوخة ابن خرداذبة؟ وهل يكون قد حصل بينه وبينه تنافر وتباغض أدى بابي الفرج إلى أن يقف موقفه المريب إزاء زميله على ما سنوضحه؟
فإذا طالعت كتاب (الأغاني) لأبي الفرج، ألفيته يذكر ابن خرداذبة في مواطن عديدة منه، ويستشهد بأقواله ولكنه لا يذكره إلا ليثلبه، ويحيط من قدره، ويجرده من كل حسنة سواء أكان لذلك كله موجب أم لم يكن! وهو لا يروي قولاً من أقواله إلا ليردّ عليه ويضعّفه