للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[علي الجارم بك]

بمناسبة ذكراه الأولى

للأستاذ عبد الجواد سليمان

من دلائل رقي الأمم ونهوضها أن تذكر أبناءها الراحلين الذين تركوا أثراً حسناً فيها، وأسهموا في بناء نهضتها، ذلكم لأن في هذه الذكرى وفاء خلق ضروري للأمم الناهضة. وكثيراً ما تتوفر للأمم أسباب الرقي ومقومات النهوض ولكنها تفتقر إلى الأخلاق؛ قلا يحالفها من أجل هذا النجاح في مراحل نموها وتطورها، ولذلك لم يكن أمير الشعراء مبالغاً عندما شاد بالأخلاق قائلاً:

فإنما الأمم الخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وعلي الجارم كان من رجالات مصر العاملين الذين خدموا وظنهم وخلفوا وراءهم آثاراً ناطقة بما لهم من فضل يستحقون من أجله الذكرى والخلود.

لم يكن (الجارم) شاعراً فحسب أو كاتباً فقط، أو عالماً ليس غير أو. . . أو. . . بل كان كل أولئك وأكثر.

عمل (الجارم) أستاذاً في دار العلوم، فأشرف على إعداد جيل من أساتذة اللغة العربية كان يحاول في دراسته أ، يطبعهم بطابعه؛ ويحبب إليهم دراسة لغتهم ويدربهم على الغوص في خضمها لاقتناص شواردها، ويعودهم كيف يكون البحث اللغوي في حاجة إلى صبر وأناة واستعداد قد لا يتوفر للكثير من طالبي العلم ورواد الثقافة ثم عمل. . . رحمه الله - في ميدان التفتيش عن الأساتذة في المدارس على اختلاف مراحلها، فكان في ذلك طرازاً فريداً، هيهات أن يوجد له نظير بين من تعاطوا هذه المهنة ممن أتوا بعده، فلم يكن في تفتيشه مفتشاً فقط يكتفي بالمرور على المدارس لتسجيل الزيارة وكتابة التقارير، كما يفعل غيره ممن يؤدون هذه المهمة كعمل رسمي آلي نيط بهم متجاهلين أو ناسين الغرض الأول من هذا العمل، بل كان مفتشاً يرشد الضال ويأخذ بيد الخامل ويشجع العامل، وينفخ من روحه في الضعيف ليتنفس ويقوى، ويتلمس في لباقة وهدوء الفذ الممتاز بين المئات حتى يهتدي إليه ليثيبه وينبه وينبه إليه ليأخذ مكانه الذي هيأه له عمله وجده واستعداده. وكان أستاذاً يعلم الجاهل ويهدي المخطئ إلى الصواب ويوجه التوجيه الحر القويم، يفعل ذلك عن يقين

<<  <  ج:
ص:  >  >>