بصواب طريقته وتمكن من مادته، وثقة بنفسه، واعتزاز بعلم أشعل في تحصيله فحمه الدياحي. فلم يكن غريباً في زمانه - أن يحسب له المدرسون حساباً وألف حساب فيتنافسوا في الاطلاع لاحياء مادتهم ومراجعة مسائل العلم لتجديد معلوماتهم علماً منهم أن التقصير لن يخفى على (الجارم) وأن العمل لن يروفه أو يجازى عليه بالثناء إلا إذا أدى بإخلاص ويقظة وأمانة وإتقان.
ولم يكن غريباً - في زمانه - على المدارس أن تعد العدة لاستقبال الجارم، لأنه لن يجامل في الحق ولا يخشى فيه لومه لائم. ولن أكون مبالغاً إن قلت إن هذا الجو قد اختفى اليوم من المدارس أو كاد يختفي إذ غدت طائفة المفتشين كطوائف المعلمين في المادة والكفاية فليس في المفتشين إلا في القليل النادر تميز واضح عن المدرسين، فلذلك تراهم أهملوا الجوهر واكنفوا بالقشور وشغلوا عن اللباب وقطعوا الوقت في توافه الأمور وأصبحت مهمتهم محصورة في المحاسبة على الهمزة والمؤاخذة على النقطة، واتخذوا الدرس وأرقام صفحاته هدفاً يصوبون إليها سهام مناقشتهم ومحاسبتهم، أما الموضوع، وأما العلم، وأما الأسلوب وأما النقد الأدبي؛ وأما الطريقة فقل على ذلك كله العفاء.
ومن هنا استهان المدرسون بالمفتشين عنهم، وتغيرت العلاقة بين الفئتين فأصبحت قائمة على (الجاسوسية) من جانب المفتش يتلمس الخطأ ويتمناه ويتجسس الهفوات ويسعى إليها؛ (والتغرير) من جانب المدرسين يعنون بالكم دون الكيف، ويعملون للتقرير لا للفائدة العلمية والإنتاج، وسلكوا إلى هذا التقرير أقرب الطرق ولو جانب مكارم الأخلاق، واستوى في نظر (المفتش) العامل والخامل والعالم والجاهل.
وعمل (الجارم) في ميدان التأليف العلمي والأدبي، فألف في (علم النفس) كتاباً مدرسياً كان بمثابة نواة أو بذرة أولى نمت وترعرت فأثمرت مؤلفات في هذا العلم سلك أصحابها أو الكثير منهم مسلك الجارم في مؤلفه فجاءت وافية في مادتها قريبة المنال في تحصيلها معبدة في طرائقها.
وألف في علوم اللغة كتباً أشهرها (كتب النحو الواضح والبلاغة الواضحة) فكانت بحق فتحاً جديداً في آفاق النحو والصرف والبلاغة، وقد انتشرت هذه الكتب في الشرق العربي انتشاراً ضمن لها البقاء، وكفل لصاحبها الخلود، إذ ألف الجارم بين أمثلتها بأسلوب الأستاذ