الأديب والعالم المحقق، فجاءت غاية في الوضوح وآية في الدقة، وسهلت على تلاميذ المدارس نفهم هذه النظريات الجافة من النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع، وستبقى هذه الكتب متخذة مكانتها في عالم التأليف مهما تقادم عليها العهد، وستظل مرجع المؤلفين كلما عن لواحد منهم أن يضع لبنة في صرح المؤلفات العربية.
وتحضرني في هذا المقام شهادة سجلها لهذه الكتب الدكتور حافظ عقيقي باشا في كتابه على هامش السياسة عند كلامه عن تعليم اللغة العربية بمصر إذ قال بعد أن استعرض بالنقد ما ألف من كتب في هذه المواد من الغبن بعد هذا أن ننكر ما قام به بعض أساتذة هذه اللغة في ميدان الإصلاح والتأليف، فلقد وضع الأستاذان علي بك الجارم ومصطفى أمين كتابي (النحو الواضح) والبلاغة الواضحة، وسلكا فيهما طريقة منطقية مشوقة هي إيراد الأمثلة الحديثة التي يجدر بالتلميذ أن يستعملها في أحاديثه وشرح هذه الأمثلة واستخلاص القاعدة أو القواعد منها وهي طريقة بيداجوجية حديثة).
أما مؤلفاته الأدبية فقد دلت على سعة باعه في اللغة، وتمكنه من ناحية البلاغة العربية، فهو يحاكي في أسلوبه الكتابي مذهب القدامى من كتاب القرن الرابع سلامة ألفاظ، وإشراق ديباجة، وسمو معان وانسجام أسلوب.
وعندي أن هذه المميزات في الأسلوب الكتابي يتفق فيها أربعة من أعلام الأدب في العصر الحديث، مع اختلاف يسير في أداء كل منهم لطريقته وسلوكه مذهبه أولئك هم كرام الكاتبين مصطفى لطفي المنفلوطي، وأحمد حسن الزيات، وعلي الجارم ومصطفى صادق الرافعي.
ولقد توفر الجارم على الكتابة الأدبية بعد تخلصه من أغلال الوظيفة وتحققه من أعبائها، فأنتج في تلك الفترة الوجيزة كتباً قيمة تفخر بها المكتبة العربية، نذكر منها (شاعر ملك، سيدة العصور، فارس بني حمدان، خاتمه المطاف، مرح الوليدة، غادة رشيد، هاتف من الأندلس؛ قصة العرب في إسبانيا)
وهذا عدا بحوثه القيمة في٠ (المجمع اللغوي) التي سجلتها إعداد مجلته، وهي إن دلت على شئ في الرجل، فإنما تدل على سعة الأفق وسلامة الذوق، ونضوج الفكر، وسعة الإطلاع وعمق التفكير والرغبة في التجديد.