تحدثنا في مقال سابق عن أمثلة من نقد الدكتور بشر فارس لتصحيح كتاب (الإمتاع والمؤانسة) وبيَّناً تفاهة هذا النقد وقلة جدواه. أما نقد صاحبه الدكتور زكي مبارك لتصحيح هذا الكتاب فهو أقل جدوى وأبعد عن الجادة وأكثر تحكما وأشد تعسفاً وتكلفا ًمن نقد صاحبه
وشئ آخر يمتاز به الدكتور زكي على صاحبه أنه يمسك بخناق الكلمة الصحيحة، ويظل يضرب فيها بعصا غليظة من التأويل البعيد ليجبرها على أن تحكم على نفسها بالغلط. فإذا لم تجبه الكلمة إلى ما أراد حكم عليها هو بالغلط، ولا يكلفه ذلك إلا أن يكتب حرف الغين واللام والطاء
وتلك أمثلة من نقده مع ردنا عليها ليتبين القارئ صدق ما نقول وأن هذا النقد كله لا يستند إلى شيء من الحق:
روى أبو حيان في كتابه الذي نحن بصدده مناظرة طويلة بين أبي سعيد السيرافي ومتّى بن يوسف المنطقي، وفيها سؤال نحوي وجهه السيرافي إلى متى، فلم يستطيع متي الإجابة عليه، وطلب إلى السيرافي أن يفيده عن ذلك. فقال السيرافي:(لو حضرْت الحلْقةَ استفدتَ)
وكتب المصححان الفاضلان على قوله:(الحلقة) ما يفيد أن في الأصل (المختلفة) مكان قوله: الحلقة وهو تحريف
ويقول الدكتور زكي: إن قوله (المختِلفة) ليس فيها تحريف وإنها صحيحة لاشك فيها؛ وفسر قوله:(المختلفة) بأن معناها الطلبة الذين يختلفون إلى المعلم
ونقول: إن قوله (المختلفة) تحريف لاشك فيه كما رأى المصححان الفاضلان، وأن الصواب (الحلقة) كما رأيا، فإن المعلم لا يقول:(إذا حضرت الطلبة استفدت) وإنما يقول: (إذا حضرت مع الطلبة). أو يقول:(إذا حضرت الحلقة) أي حلقة الدرس؛ فهذا أقرب إلى الأحاديث العادية، وأشبه بأسلوب أبي حيان والسيرافي وغيرهما من الأئمة
أما أن يقول المعّلم لإنسان ما:(إذا حضرتَ الطلَبَةَ استفدتَ) فهي عبارة ركيكة لا تلتئم مع أساليب الكتّاب العاديّين فضلاً عن أعلام الكتابة كأبي حيان. ودليل ذلك قوله بعد هذه