للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

مشكلة القراء في حياتنا الأدبية:

في الأسبوع الماضي سألني أديب فاضل من الإسكندرية: لماذا لا تخرج كتاباً في الأدب أو الفن أو النقد تمدنا فيه بمثل هذه الأفكار التي تطالعنا بها في مقالاتك وتعقيباتك؟ وكان ردي عليه أنني فكرت في هذا الأمر أكثر من مرة ثم خرجت من هذا التفكير بأن الإحجام خير من الإقدام، لماذا؟ لأن هناك مشكلة تحول بيني وبين هذه الأمنية الغالية، هي مشكلة القراء في هذا الجيل!

إنني لا أعدو الحق إذا قلت إننا نعاني أزمة في القراء قل أن نجد لها مثيلا في بلد آخر غير مصر. . . وحين أقرر هذه الحقيقة الماثلة للعيون والأذهان، أقررها وأنا أعني هذه الطبقة من القراء الممتازين في محيط الأدب والفن، أولئك الذين يسعون وراء القراءة إيثاراً للعلم وشغفاً بالتثقيف. أما تلك الطبقة الأخرى من قراء الصحف الإخبارية والأدب السهل الرخيص، أولئك الذين ينشدون الفكرة العارية والصورة العارية فهم ألوف والحمد لله!

ومرة أخرى لا أعدو الحق إذا قلت إن القراء في مصر قد حد من طموحهم قصور في الثقافة العامة، وتمكنت من نفوسهم سموم في الصحافة اليومية، وعصف بأناتهم عصر السرعة وما يجر وراءه من جناية على العقول والأذواق. . . هذه هي الأمور الثلاثة التي تشل حركة التثقيف في مصر وتدفع بها إلى الوراء بدلا من تدفع بها إلى الأمام!

أما قصور الثقافة فنسأل عنه برامجنا التعليمية حين تلمس طابعها في هذه الأمية الفاشية بين صفوف المتعلمين، وأما سموم الصحافة فيسأل عنها فريف من الكتاب هبط بالفكر إلى مستوى رجل الشارع بدلا من أن يرفع رجل الشارع إلى مستواه، وأما عصر السرعة فيسأل عنه السائرون في ركابه القانعون بالسطوح فراراً من الأعماق!

نظرة متأملة إلى الطرقات والمحال العامة تكشف لك عن ألوف الأيدي الفارغة من كتاب مفيد، وجولة متأنية في المنتديات ودور العلم تطلعك على ألوف الأذهان الفارغة من فكر عميق، ودراسة متغلغلة في صميم مجتمعنا المصري تقنعك بأن وقت المتعلمين يتسع لخمسة أَيام تنفق بين ملهى وملهى ويضيق بخمس ساعات تنفق بين كتاب وكتاب. . . أما

<<  <  ج:
ص:  >  >>