للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الشعر الرمزي]

في مفرق الطريق

للأستاذ سيد قطب

بين نفسين من النفوس الكثيرة التي تعيش في الإنسان الواحد

متفرقة في بعض الأحيان. دار هذا الحوار. . . فأما إحداهما

فتتعلق بماض عزيز لا رجعة له ولا أمل فيه، وأما الأخرى

فتنزع إلى العزاء بالتطلع إلى جديد:

أَنتَ أوغلتَ في الظلام طويلا ... فمتى يا رفيقُ تبغي القُفولا؟

شدَّ ما آدَنَا التخبط في الليل ... وخِفْنا ظلامَه المدخولا!

ورأيْنا الأوهامَ تبدو شُخوصا ... ورأينا الشخوصَ تبدو هَيُولَى

وَخَبَرْنا فلم نُفِدْ باختبار ... وسخرنا مما خبرنا طويلا

يا رفيقي. إذا قَدِرْتَ فأوِّبْ ... إن هذا الظلام يُضني العقولا

أنا أخشى الضياَء أُبصر فيه ... ذكرياتي تبدَّلت تبديلا

أنا أخشى النهارَ يكشف عني ... كلَّ وَهْمٍ أرودهُ تعليلا

أنا يا صاحبي أُشِيحُ بوجهي ... أن أرى عهدنا تَرَدَّى قتيلا

أنا يا صاحبي أُدافعُ عقلي ... أن يَرُودَ اليقينَ جهماً ثقيلا

الظلام الظلام أروحُ للقلب ... ولو كان لا يريح العقولا!

يا رفيقُ. الحياةُ أسمى وأغلى ... أن تُقَضَّى كذاك وَهْماً ضئيلا

يا رفيقُ. الحياة أقصرُ عهداً ... أن تُضَحَّي ساعاتها تَخْييلا

أُبْ من الظُّلْمَةِ الحبيبةِ واهجرْ ... كلَّ ما كان في الحياة الأولى

وَتَطَلْعْ إلى جمالٍ جديدٍ ... أَفلَمْ تَلْقَ في الحياةِ جميلا؟

عِشْ بما قد وُهِبْتَهُ من حياة ... مُسْتَثَارَ الإحساس نهماً عجولاً

آه يا صاحبي. أتجهلُ أني ... أفقدُ الدارَ إن فقدتُ الطلولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>