سار الرجال صامتين، يخبون بأقدامهم على رمال الصحراء الملتهبة، لا يثنيهم عن غايتهم شيء، ولا يشغلهم عن مرمامهم أمر، وكان عددهم عشرة يرأسهم فتى غض الإهاب، ذو عزم ومنة، هو عاصم أبن ثابت، أرسلهم النبي صلى الله عيه وسلم عيناً على الأعداء في بعث الرجيع، يستطلعون أخبار العدو ويتعرفون إلى عدده وعدته. . . كانوا يسيرون مطمئنين آمنين لا يداخل نفوسهم حذر ولا ريب، وماذا يحذرون وهم في هذه الصحراء المترامية الأطراف، نفر قليل لا يتميزون عن سواهم من العرب وليست تبدو عليهم أية شارة تبعث الشك في نفوس من يراهم؛ كانت نفوسهم تفيض ثقة بالله وكانت قلوبهم عامرة بالإيمان الثابت الذي لا تزعزعه العواصف ولا توهنه النكبات، وكانوا قد وطدوا العزم على القيام بما عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما لاقوا في طريقهم من المصاعب والأخطار، لا يثنيهم عنه إلا الموت.
ولما مروا في طريقهم بمكان يقال له الهداة جاء رجل من قريش إلى بني لحيان وأخبرهم أنه رأى نفراً من المسلمين يجتازون بهم ولا يدري أين يريدون، فلم يكد القوم يسمعون كلامه حتى داخلهم الشك في أمر هؤلاء، وتبادلوا النظرات، وصمتوا يفكرون، ثم ثاروا إلى نبالهم فاحتملوها وساروا يقتفون آثار المسلمين ويجدون في طلبهم. وكانوا مائة رجل نصف رماة.
أحس أصحاب عاصم بالخطر المداهم الذي تهددهم، ورأوا أنهم قد أخذوا على غرة، فاضطربوا ووجموا وعراهم الذهول، ولكن عاصماً صاح بهم قائلاً:
- لا تقفوا هكذا، أسرعوا إلى هذا الفدفد الذي أمامكم نمتنع به قبل أن نصبح فريسة في أيدي الأعداء. . .
فأسرعوا إليه كما أمرهم، وتحصنوا فيه، ولبثوا ينتظرون قضاء الله فيهم. . .
وبأسرع من لمح البصر، كان الرماة ومن معهم محيطين بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم ينظرون إليهم نظر الذئب إلى فريسته التي يخاف أن تفر من بين يديه، ووطد المسلمون العزم على استقبال الموت بثغور باسمة وقلوب مطمئنة وهم يتحرقون شوقاً إلى رؤية