للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فنان. . .!]

للأستاذ ثروت أباظة

يسقط على مجلسك دون أن تعرفه، فلا تملك إلا أن تنعم فيه النظر، فهو أشعث أغبر كأنه ابن السلكة قد وافى بعد إيغال في شعاب الصحراء. . . ضامر شاحب كأنه عامل قد أضرب عن الزاد، قذر الملبس يذكرك بالمار أمام منزلك صندوقه على كتفه يصرخ بأعلى صوته (بوابير جاز أصلح)

تريد أن تسأله من أنت. . . والويل لك إذا فعلت. . . لأنه لا يسمح لإنسان ألا يعرفه وقد أفنى نفسه في سبيل الشهرة. . . إن غيره لا يجهد سوى عقله وقلمه فينالها. . أما هو الشاعر الحق فقد أجهد عقله حتى جهد. . وقلمه حتى تحطم وجسمه حتى ذوى، ثم أنت لا تعرفه؟! ففيم إذن أهمل هذه اللحية وجعلك لا تعرف أن كان يزيلها أو هو يرسلها. . . أليس هذا فناً؟. وفيم إذن أطلق حول أذنيه هذه الإطارات من شعره. . كثة تكاد تخفي أذنه. . طويلة توشك أن تصل إلى فكه. . وفيم إذن ركب لنفسه هذا الرأس الثاني من الشعر. . . إن غطى الطربوش رأسه الأول برز من خلفه يخبر أنه. . فنان. . لا. لابد أن تعرفه أردت أو لم ترد. . تعرفه هكذا دون أن يخبرك. . إن سألته من أنت؟ ثار في وجهك وزمجر واستأسد بعد خنوع، إنه فنان يجلس إليك فيخبرك أنه لم ينم ليلته وأنه هكذا دائماً. . هائم على وجهه في غير مهيم. . . شارد في غير مشرد إنه فنان. . والفن في اعتقاده عزوف عن الراحة وشذوذ يفتعله هو. . وقد لا يتحدث عن نفسه فيروح يرصف القواعد للعبقرية ويضع الخطوط الواضحة بينها وبين الاكتمال العلمي فهو يقول إن العلم شئ سهل الحيازة داني القطوف. . يستطيع أي فدم أن يكون عالماً ولكن العبقرية قبس من الأشعة الإلهية أرسله الله إلى صاحب القسمة فهو شارد اللب يمشي دون وعي ويجلس على غير علم، إنه من الواصلين هكذا هكذا. . ولكن ماذا أفاد الرجل من كل هذا. . انتظر. . انتظر هاهو ذا يتبعه بجملته الخالدة، والله كثيراً ما أمشي في الشوارع دون أن أعرف لنفسي اتجاهاً، إنه عبقري ما أسهل العبقرية وما أشبه العباقرة بعمال التنظيم. . . هكذا الرجل لا يهمه بعد هذا إن كان فنه ناضجاً أو فجاً. المهم أن يتشعوذ وأن يعرفه الناس هكذا وهو بعد فنان. . . أراد الفن أو أبى، لا تظلم الرجل إنه لا يأتي هذا تصنعاً ولكنه تطبع طال به

<<  <  ج:
ص:  >  >>