سنتكلم اليوم عن الغزل السافر ونعني به ما قالته المرأة، لتذيع غرامها على رءوس الأشهاد، فينقله عنها البعيد والقريب، فهي إذن لا تخشى ملامة أو مسبة، بل تقدم جريئة على تحمل ما يهددها في موقفها الجريء.
ونعلن بادئ ذي بدء أننا لن نتعرض إلى غزل الجواري فيما نحن بصدده من الحديث، لأننا نبحث عن النسيب الصادق الذي يضطرم بالعاطفة المشبوبة، ويتأجج باللوعة المشتعلة، وجل ما بأيدينا من غزل هؤلاء لا يهدف لغير الإغواء والتغرير، بل كثيراً ما يهبطن إلى مستوى لا يرضى عنه خلق نبيل، حتى ليجوز لنا أن نشبههن بمن نرى من ساقطات الممثلات، حيث يشغلن الصحف الخليعة بالحديث عن رنين القبلات، وحرارة العناق، وما يقصدن - علم الله - غير العاقبة الذليلة والخداع المريب.
على أنك لا ترى في شعر الجواري مواربة أو كنانة، بل تجد نفسك أمام صراحة فاضحة، ومنطق مكشوف، كأن تقول إحداهن وهو أهون ما يمكننا أن نستشهد به:
إني لأرجو أن نكون معانقي ... فتبينت منى فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي ... وأراك دون مراحلي ومجاسدي
وأنا لا أنكر أن هذا تصوير صادق لما تنشدهالجارية من أمل لذيذ، فهو من هذه الناحية غزل يرتكز على الإحساس والشعور، ولكن أدعو الشاعرة أن تبرز عاطفتها تلك، في سياق فني، يعتمد على التشبيه البارع، والرقة المتسلسلة حتى تطرب قارئها برونق الأسلوب، فينسى قسوة الفكرة ومرارة الهدف، وأصدق مثال لذلك قول حفصة بنت الحاج القرطبية:
أزورك أم تزور فأن قلبي ... إلى ما تشتهي أبداً يميل
فثغري مورد عذب زلال ... وفرع ذؤابتي ظل ظليل
وقد أملت أن تظمأ وتضحى ... إذا وافى إليك بي المقيل