للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما أحبها من نقلة]

للأستاذ محمود الخفيف

أحبب إلى نفسي بهذه النقلة إلى تأريخ أمريكا في سيرة زعيمها العظيم (أبراهام لنكولن)، فإنه لمن أعظم ما يسر القراء لا ريب حديث صاحب العبقريات عن أشبه العبقريين في الغرب بابن لخطاب وما أولى لنكولن بنصيب مما يكتب العقاد؛ ولو تفضل كاتبنا الكبير فعقد فصلاً أو أكثر من فصل، فوازن بين لنكولن وعمر، وهو خير من يفعل ذلك، لعددت هذا من أفضل ما بلغت بكتابي من خير. . .

وبعد، فأرجو من أستاذنا الجليل أن يصدقني أن عنايتي بتاريخ لنكولن هي التي حفزتني إلى كتابة هذا الفصل والذي سبقه، إذ لا زلت من بعض الملاحظات التي أبداها الكاتب الكبير غير مطمئن النفس، وما كان ذلك دفاعاً عن كتابي بقدر ما هو رغبة مني في الاهتداء إلى الصواب.

لا زال تأريخ أسلاف لنكولن سراً في أطواء الزمن، وأكبر الظن أنه سوف يبقى كذلك، وماذا عسى تحويه الكتب عن أبيه النجار، وعن جده لأبيه، وقد كان كذلك نجاراً بين أحراج الغابة قتلته رصاصة أطلقها عليه أحد جنود الحمر؟ وماذا عسى أن يعرف عن أمه وهي ابنة سفيحة لرجل مجهول من أهل الجنوب؟ ولولا أن تحدث بذلك لنكولن إلى صاحبه هرندن ما عرف حتى هذا القدر من سيرتها. . .

بذلك رددت على ما أخذه على الأستاذ الكبير من خلو كتابي من تعريف كاف بأسلاف لنكولن من جانب أبيه وأمه؛ وكان ما ذكر الأستاذ تعقيباً على ذلك الرد قوله: (وقد اعتقد الأستاذ الرجل كان كما هو معلوم عصامياً خامل الآباء والأجداد؛ ولكن الواقع أن اللغز يعرض لنا عن أمر آبائه المعروفين ونستطيع حله من تاريخهم).

إذا فلا سبيل لنا إلى أسلافه، بعد ذلك آباؤه المعروفون وما نعرف إلا أباه وأمه. ولقد ماتت أمه وهو في العاشرة من عمره فحرم من تأثيرها في نفسه، ذلك التأثير الذي أشرت إليه في كتابي بقولي: (كان الغلام ينتقل ببصره وخياله من أمه إلى أبيه، وكانت أمه في أقاصيصها جادة، تحس نفسه الصغيرة شيئاً من الحزن يطوف بنفسها ويتسرب إلى حكايتها؛ أما الأب فكان يميل إلى المرح والفكاهة، ويتدفق إذ يحكي تدفق من لا تنطوي نفسه على شيء مما

<<  <  ج:
ص:  >  >>