تنطوي عليه نفس الأمن وما كان شيء من ذلك ليخفى على فطنة الغلام، وأحدثت القصة الدينية أثرها في نفس الصبي وظلت عالقة بلبه وخياله، وجرت في كيانه مجرى الدم في عروقه، واختزنت حافظته ألفاظها بنصها حتى ليتحرك بها لسانه وإن لم يقصد).
ولم يكن لأبيه أثر في نفسه ولا من صفات نستطيع أن نردها إلى آبائه فنعرف، ولو بما يقرب من اليقين شيئاً عن أسلافه فنحل اللغز بعض الحل؛ أما ذلك الذي كانت تنطوي عليه نفس الأم، فمرده في الأكثر إلى أنها كانت تجهل أباها؛ على أني لم أسه عما يكون للوراثة من أثر في حياة لنكولن، فأوردت في صفحة ١٥١ من كتابي ما قصة على صديقه هرندن إذ قلت:(وإنه ليفضي إلى صاحبه هرندن ذات يوم بحديث عن أقاربه وصلته بهم، ويتطرق الكلام أثناء هذا الحديث إلى منشأه فيكشف لنكولن لصاحبه عن سر يتصل بأمه، وذلك أنه لا يعرف أجداده لأمه، فقد كانت أمه التي أحبها والتي يجل ذكراها ابنة رجل مجهول، وسيظل هذا الرجل مجهولاً أبداً، وكل ما يستطيع أن يعرفه عنه أنه من أهل الجنوب، وبيان ذلك أن جدته لأمه كانت تعيش وهي فتاة في ولاية فرجينيا في الجنوب فأصبحت ذات حمل وأن لم تتزوج، ووجدت نفسها بعد أشهر الحمل تضع أنثى، وكانت هي وحدها التي تعرف والد هذه الأنثى، ولقيت من أهلها أشد الغضب لزلتها، ولكنهم احتضنوا بنتها فنشأت بينهم تنتسب إليهم وليست منهم. ذلك هو السر الذي يفضي به لنكولن إلى صاحبه على ما فيه مما يوجب الكتمان، ويردف أبراهام قائلاً لصاحبه إنه كان ثمة من ميزة فيه لا يوجد مثلها في أحد من ذوي قرباه، فمردها لا ريب إلى أجداده المجهولين من أهل الجنوب).
أما عن المصادفة في حياة لنكولن، فإني أخشى أن يكون الذي يخرج به القارئ مما كتبها الأستاذ الكبير في هذا الصدد أن لنكولن مدين للمصادفة بكل شئ، فقد قال الأستاذ في مقاله الأول:(وقد كان من الجائز جداً ألا يصل إلى رئاسة الجمهورية لأنه لم ينجح قط في انتخاب أو ترشيح إلا كان للمصادفة في اللحظة الأخيرة أكبر الأثر في هذا النجاح)؛ وقال في مقاله الثاني:(ولم يكن نصيب المصادفات التي كان لها الأثر في الترجيح بين الأحزاب نفسها وبين جيوش الشمال وجيوش الجنوب أوفي نصيباً من هذه المصادفات التي صعدت بلنكولن إلى رئاسة الجمهورية).