للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

إبراهيم حلمي العمر

لا يمرّ أسبوع بدون نعيم يزفّه إلى روحي بريد العراق، فإخواني في

بلاد الرافدّيْن لا ينسونني، ولا يفوتهم أن يطلعوني على ما يجدّ هنالك

من ثمار الآداب والفنون.

وكان المألوف أن أجد ما يسرني فيما يصل من الجرائد والمجلات، فماذا وقع اليوم؟

جاءت حزمة من أعداد (الأخبار والأحوال والزمان والشهاب) وعلى صدورها جميعاً صورة واحدة لأديبٍ من أصدقائي فعرفت أنه مات. وهل تهتم الجرائد في يوم واحد بنشر صورة لأديب إلا حين يموت؟!

لم يبق شكٌ في أن الأستاذ إبراهيم حلمي العُمَر قد مات، ولن أراه إن قُدِّرت لي زيارة قريبة أو بعيدة لأصدقائي في بغداد، فهو أنسٌ ذهب ولن يعود، وإني لذهابه لحزين، أحسن الله فيك عزائي، يا إبراهيم!

ذلك كاتبٌ مغامر، رضي عنه قومٌ وغضبتْ عليه أقوام، فكان ملكاً عند أولئك وشيطاناً عند هؤلاء، ولكنه في حدود ما عرفتُه كان أدبياً حلو التعبير، بارع الأسلوب، مع أريحية عربية قليلة الأمثال. وما أذكر أبداً أني رأيت منه غير الجميل

كان إبراهيم حلمي العُمَر من أوائل الأدباء الذين نهضوا بالصحافة العراقية كما قالت الجرائد التي لم تر مانعاً من إنصافه بعد الموت، وهل ينتفع الميت بالإنصاف؟!

وإبراهيم هو الذي أنشأ جريدة (لسان العرب) في دمشق منذ أعوام طوال. وقد يكون أول عراقي خلق لوطته صداقات في الديار المصرية قبل أن يصل تعارفُ العرب إلى ما وصل إليه اليوم. ألم يقل من رثوه إنه كان من مراسلي (المؤيد) و (اللواء)؟

سألت عن إبراهيم حين انقطع سؤاله عني فعرفت أنه مريض فغالبتُ وهج القيظ ومضيتُ لعيادته بعد الدرس الأخير في أحد أيام حزيران سنة ١٩٣٨، فماذا رأيت في داره يومذاك؟

رأيت طفلاً وطفلة يتفاهمان بالتناغي قبل موعد التفاهم بالكلام، كما تتفاهم الحمائم الموصلية، وهما يتصاخبان ويتباغمان بصورة تشهد بأنهما يجهلان أن أباهما مريض

<<  <  ج:
ص:  >  >>