قلنا إن المولد في أصله احتفال ديني بعيد أحد الأولياء. . . ولا تزال الموالد حتى الآن - على الرغم مما طرأ عليها من التغير وما داخلها من عناصر اللهو - تحتفظ بالكثير من الملامح الدينية التي تتمثل على الخصوص في شدة إقبال الناس على ضريح الولي صاحب الاحتفال للتبرك به والطواف حوله واتخاذ ذلك وسيلة للتزلف والتقرب إلى الله. . . ومن الناس من ينتبذ من المسجد جانبا يخلو فيه لنفسه، يرتل القرآن، أو يتوجه بالدعاء إلى الله؛ ومنهم من يشترك بحلقات الذكر التي تقام كل ليلة من ليالي المولد في المسجد؛ ومنهم من يتخذ الإحسان وسيلته إلى الله. والموالد سوق رائجة للإحسان يدلى فيها كل محسن محب للخير بدلوه حسب قدرته وطاقته؛ فأغنياء الحي الذي يقع فيه ضريح الولي ينحرون الذبائح ويولمون الولائم ويوزعون الطعام والملابس والصدقات على الفقراء والمعوزين - وما أكثرهم في مصر!. . ومن هم دون ذلك قدرة وثراء من أوساط الناس يسلكون سبلا غريبة للإحسان؛ فبعضهم يشتري قربة ماء ليسقي الناس، أو يشتري (دورقا) من التمر الهندي أو العرقسوس، أو (الدندرمة) يوزعها عليهم، وهم يبتغون من ذلك رضا الولي ومرضاة الله.
ومن الطرق الغريبة التي يلجأ إليها الناس في مصر للاحتفال بالموالد أن الحلاقين - مثلا - يتبرعون بإجراء عملية الختان لأطفال الحي الفقراء بالمجان أو بأجر زهيد جدا لا يتجاوز بضعة قروش. ويعلق كل (حلاق) من هؤلاء لوحة كبيرة على واجهة حانوته كتب عليها (الطهارة للفقراء مجانا)، والى جانبها يعلق صورة تمثله وهو يختن أحد الأطفال، ويزين الحلاقون لهذه المناسبة حوانيتهم بالمصابيح الكهربائية الملونة والأعلام الزاهية لكي يجذبوا إليهم أنظار الناس. ويذهب بعض الحلاقين إلى أبعد من ذلك، إذ يعدون لأنفسهم حوانيت متنقلة ينتقلون بها من مولد لآخر، بل ومن بلدة لأخرى، لكل من يتقدم من الفقراء.
ومن الظاهرات الشعبية ذات اللون الدينية الخطابة الدينية في الشوارع. فكثيرا ما يقوم بعض المشايخ من رجال الدين، أو حتى بعض المتحمسين من عامة الشعب فيخطبون الناس على قارعة الطريق، يحثونهم على الفضيلة ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن