لقد ظهر الإسلام والدولة الرومية تحكم فلسطين وغيرها من بلاد الشام، وكانت قد قضت على دولة اليهود فيها من قبل الميلاد المسيحي، وفرقتهم منها في سائر البلاد، وكانت دولة اتلروم تحكم فلسطين وغيرها من البلاد الشرقية حكماً استعمارياً، يستبد في الأوربيون بالشرقيين كما يستبدون بهم في عصرنا، ويقوم على أساس الطمع في بلادهم كما يقوم الآن بيننا، فلما ظهر المسلمون مال أهل هذه البلاد إلى حكمهم، لأنه لم يكن حكم طغيان واستبداد كحكم الدولة الرومية، فدخلت في حكم المسلمين بحق الفتح، ودخل كثير من أهلها في الإسلام عن طواعية واختيار وبقي بعض أهلها على دينهم، فعاشوا بين إخوانهم من المسلمين تجمعهم كلمة الوطن، ولا يؤثر فيهم ما بينهم من اختلاف في الدين حتى مضى عليهم فيه أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وإنه ليكفي أقل منها لتثبيت حقهم فيه، ولإبطال حق الروم الذين كانوا يحكمون قبلهم، فما ظنك باليهود الذين لم يكن لهم أثر فيه على عهد فتح المسلمين له، وهذا هو حكم التاريخ والسياسة في أمر فلسطين، وهو حكم صريح في أنها للعرب من مسلمين ومسيحيين لا لليهود ولا للصهيونيين، ولا لغيرهم ممن يريد سلبها منهم، ويستغل حمق اليهود والصهيونيين في الوصول إلى مأربه، ليضرب العرب بهم ويضربهم بالعرب، ويظفر بعد هذا بما له من مأرب وحينئذ يندم اليهود ولات ساعة مندم، ويأسفون على إساءتهم لمن أحسن إليهم ولات ساعة أسف.
وأما حكم الدين فهو كحكم التاريخ والسياسة أيضاً، لأن اليهود قد وعدوا بذلك الوطن في عهد إبراهيم حقاً، إذ جاء في الآية - ٧ - من الأصحاح - ١٢ - من سفر التكوين (وظهر الرب لإبرام وقال: (لنسلك أعطي هذه الأرض) وجاء في الآية ٢١ - من سورة المائدة (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) وهذا خطاب من موسى إلى قومه حين ذهب بهم من مصر إلى هذه الأرض المقدسة.
ولكن الله تعالى لم يكتب هذه الأرض لهم لأنهم يهود، ولا لأنهم أبناء إبراهيم عليه السلام، ولا لأنهم قوم موسى عليه السلام، لأن البشر عنده سواء، وهما جميعاً خلقه وعبيده، وعدله يشملهم عامة، ورحمته تعمهم كافة، وإنما كتب لهم هذه الأرض ليقوموا فيها بعهده، ويؤدوا