خبرت كثيراً من الهيئات الإصلاحية، فوجدت فيها نوعاً من الناس يشترك في توجيهها مع أنها لم تنشأ إلا لتطيره هو أو تطهير المجتمع منه! فكيف تأتي لأمثال هؤلاء أن يتسربوا إلى منابع الطهر ومناطق الإصلاح؟ إنها لا شك غفلة وعبث ومجلبة للأضرار حيث تلتمس المنافع، وإنها خدعة لها ما بعدها من انتكاس الحال وازدياد الفساد وانعكاس القصد وضياع الجهود هدراً، وإنها لفجيعة أن تلتمس لوجهك طهوراً فإذا به نجس!
وأنا أفهم أن الإنسان قد يلبس بعض الشر والضعف الخلقي ويقترفه وهو مؤمن بالفضيلة محب للصلاح والصالحين يدعوا الله أن ينفعه وينقذه بهم وأن يمن عليه بسلوكه مسالكهم ومع ذلك يبتعد عنهم كي لا يلوثهم أو يعطلهم أو يؤثر على توجيههم للناس، ولكنني لا أفهم أن يقترب منهم ويشترك في إرشاد الناس معهم مع أنه يعلم رأي الناس فيه وقلة بضاعته في سوق الهدى والتوجيه.
إن المريض بمرض نفسي ينبغي له ألا يزاول التطبيب فيه، إلا إذا كان له من الشجاعة ما يجعله يقدم نفسه دليلاً وحجة على فساد عكس ما ينصح الناس به، وما يجعله يضرب نفسه مثلاً مجسماً أمام الجماهير، يقول بصدقه وصراحته قولاً بليغاً في نفوسهم؛ لأنه حينئذ يكون كذلك النوع النادر من الأطباء الذين يقدمون أنفسهم قرابين للعلم وفداء للناس بتعريض أجسامهم للأمراض الفتاكة ليخبروها ثم يخبروا الناس عن نتائجها.
ولكنا نجد كثيراً من مرضى النفوس وضعاف الأحلام، ومثال الأنانية، لا يجدون مجالاً لعرض أمراض نفوسهم وضعف أحلامهم وجلو شهرتهم إلا في جبهات الإصلاح يتطرقون إليها في جرأة، ويتدسسون فيها في خبث واستغلال، حتى لتبدوا للناقد الفاحص كأنها جبهات إفساد لا جبهات إصلاح!!
وإن السماح لهذا التسرب الخطر هو نوع من الصد عن سبيل الله، لأن الدرهم الزائف يطرد الدرهم الصحيح من السوق ويجعل طابع التعامل هو الغش والخداع، ويحمل الجماهير على الشك في صحة الدعوة الإصلاحية، بل الشك في جوهر الفضيلة ذاتها. . . وهذا أمر في غاية الخطورة على أمة تلتمس لنفسها السلاح الوحيد لإنقاذها وإنهاضها، وهو